بقلم - منار الشوربجي
فى ليلة واحدة، كانت هناك روايتان عن الحالة الأمريكية تختلفان بقوة وتعبران عن أمة منقسمة. رواية قدمها الرئيس الأمريكى والثانية قدمها شاب من آل كيندى.
أما الرواية الأولى فقدمها خطاب حالة الاتحاد الذى ألقاه ترامب. وهو خطاب يقدم فيه الرئيس بموجب الدستور كشف حساب للشعب وممثليه فى الكونجرس عن «حالة الاتحاد» الأمريكى داخليا وخارجيا. ورواية ترامب قدمت عالما معاديا ومستغلا للولايات المتحدة التى عليها أن تحصّن نفسها تجاهه فتبنى أسوارا وتعاقب فيها كل من تسول له نفسه استغلالها. وهو عالم لا توجد فيه فرص للتعاون وإنما معادلات صفرية تخسر فيها الولايات المتحدة من مكاسب الدول الأخرى. ففى الوقت الذى لم يذكر فيه خطاب ترامب حلفاء أمريكا، فإنه انتقد سابقيه لموافقتهم على اتفاقات تجارية «غير عادلة» وصفها «بالاستسلام الاقتصادى». ودعا الكونجرس لمعاقبة الدول التى صوتت فى الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد قراره بنقل السفارة الأمريكية للقدس عبر حرمانهم من المساعدات الاقتصادية الأمريكية.
وفى الوقت الذى أكد فيه ترامب على قوة «الاتحاد الأمريكى»، لم يكن من نصيب الأقليات سوى استخدامه مفردات شديدة الجدلية. ففى الوقت الذى لم يذكر فيه الرئيس الأمريكى محنة الأمريكيين من أبناء بورتوريكو، وهم من غير البيض بالمناسبة، الذين مازالوا يعانون من انقطاع المياه والكهرباء بعد أشهر طويلة من الإعصار الذى ضرب البلاد، فإنه لم ير فى الهجرة للولايات المتحدة سوى أنها تصدّر لبلاده الجريمة وتحرم أبناءها من وظائفهم. وهو خلط بين مجموعة صغيرة من الخارجين عن القانون والغالبية الساحقة من المهاجرين.
أما الرواية الثانية، فقد قدمها النائب الشاب جوزيف كيندى ردا على خطاب ترامب باسم الحزب الديمقراطى. وجوزيف كيندى هو حفيد روبرت كيندى الذى كان وزيرا للعدل فى عهد أخيه الرئيس جون كيندى. ورواية كيندى كانت جد مختلفة. فهو هاجم صراحة «المعادلات الصفرية» ووصفها بأنها تمثل اختيارات زائفة بين أمور لا ينبغى الاختيار بينها. ومما ذكره كأمثلة لها كان أنه «من أجل أن نضمن أمن الولايات المتحدة علينا أن نقلص شبكة الضمان الاجتماعى.. ومن أجل أن نخفص ضرائب الشركات اليوم علينا أن نرفع الضرائب على الأسر العاملة غدا.. ففى كل يوم نواجه اختيارا زائفا بعد الآخر» لا ينبغى فيه الاختيار، مؤكدا أنه يمكن الجمع بين تلك الخيارات والدفاع عنها معا. وفى مقابل المفردات الجدلية فى خطاب ترامب بخصوص الهجرة والأقليات، كان خطاب جوزيف كيندى مرحبا بالمهاجرين ومع كفاح الأقليات المختلفة التى ذكر حركاتها الاجتماعية بالاسم، بدءا من حركة حقوق التصويت فى القرن الماضى لحركة حياة السود مهمة، وحركة «أنا أيضا» التى تناهض التحرش بالنساء.
لكن أكثر ما يلفت الانتباه فى الروايتين أنه على عكس ما هو معتاد فى تلك المناسبة، خلت كلتاهما من سياسات يتعهد بها الرئيس ويشرحها أو يدعو لها الحزب المعارض. فبينما مال خطاب ترامب للعموميات أكثر من أى خطاب مماثل فى تلك المناسبة، فقد غلب على خطاب كيندى الطابع العاطفى وكان مستوعبا تماما فى مناهضة ما يرمز له ترامب دون مضمون لسياسات محددة. وفى الوقت الذى اعتبر فيه ترامب العالم خطرا على أمريكا، لم يذكر كيندى العالم أصلا!
وحين يخلو خطاب الاتحاد والرد عليه من أية تفاصيل، فإن معناه أن الولايات المتحدة تعانى أزمة حادة، وحين تختلف الروايتان اختلافا حادا بخصوص طبيعة المجتمع وجوهر قيمه، باتت الأزمة مرشحة للتفاقم.
نقلا عن المصري اليوم القاهرية