بقلم : منار الشوربجي
فى الوقت الذى تجددت فيه شعلة الاحتجاجات فى الشوارع الأمريكية عقب إصابة رجل أسود على يد رجال الشرطة البيض، كان لافتا أن يحول الجمهوريون اثنين من البيض كادا يعتديان على المحتجين السلميين لنجمين من نجوم اليوم الأول للمؤتمر العام للحزب الجمهورى.
ففى ولاية ويسكنسن، نقلت عدسات الفيديو مشهدا يطلق فيه واحد من أربعة من رجال الشرطة البيض الرصاص الحى على شاب أسود وهو يهم بركوب سيارته، التى تبين لاحقا أن طفليه كانا بها. وقد اندلعت الاحتجاجات بالولاية وامتدت لغيرها، بينما تبين أن الإصابة سببت للشاب عاهة مستديمة. وقد حدثت الواقعة عشية انعقاد المؤتمر العام للحزب الجمهورى الذى يعلن رسميا ترشيحه لترامب لخوض الانتخابات الرئاسية باسمه. لكن فى اليوم الأول من أيامه الأربعة، كان من بين المتحدثين رجل وزوجته سبق أن سجلت العدسات بالصوت والصورة فى يونيو الماضى تهديدهما للمتظاهرين السلميين بمدينة سانت لويس. فالمسيرات، كما سجلت عدسات الكاميرات كانت تمر بشكل سلمى أمام منزل الزوجين الفخم دون المساس به. فإذا بهما يخرجان بسلاحيهما يلوحان به للمحتجين ويهددان باستخدامه. وهى رسالة عنف التقطها الإعلام الأمريكى حتى صارت صورتهما عنوانا لرفض بعض البيض لتحقيق المساواة الكاملة مع غير البيض بالمجتمع. لكن أقصى اليمين «اعتبرهما من الأبطال» يمارسان حقهما فى حمل السلاح واستخدامه. وقد تم تحويل الزوجين للنيابة ووجهت لهما رسميا الاتهامات بموجب تلك الواقعة. ومع ذلك تمت دعوتهما لإلقاء كلمة أمام المؤتمر العام! وقد قال الزوجان إن الديمقراطيين يريدون «إلغاء الضواحى بالكامل»، وهو ما يمثل صدى واضحا لخطاب ترامب السياسى، بعدما تراجع عن برنامج لإدارة أوباما كان يهدف لعلاج الفصل العنصرى بالسكن. وترامب قال وقتها إن البرنامج من شأنه أن «يزيد معدلات الجريمة ويخفض من سعر المنازل». وهى كلها مفردات، بما فيها كلمات مثل «الضواحى» ذات دلالات فى السياق الأمريكى مرتبطة برفض البيض لإنهاء الفصل العنصرى سواء كان فى السكن أو فى غيره.
والحقيقة أن الفصل العنصرى فى المسكن يأتى فى القلب من أغلب المشكلات التى يعانى منها السود. وهو فصل بعد أن كان قانونيا صار مسكوتا عنه، يمارسه المواطنون البيض، ومعهم المؤسسات الخاصة التى تعمل فى مجال العقارات. فبعد أن تكافح أسرة سوداء من أجل تدبير أموال لشراء منزل فى حى معقول يضمن خدمات أفضل ويمنح لأبنائهم فرصة للتعليم فى مدارس جيدة. لكن بمجرد زيادة عدد الأسر السوداء بالحى يهجره البيض. وبتدخلات مسكوت عنها، تنهار أسعار المنازل فيه فتفقد الأسر السوداء كل رصيدها الذى ادخرته سنين طويلة وأنفقته على شراء البيت، فتترك أولادها فقراء. ثم ينهار مستوى الخدمات بالحى وبالتالى تعود الأسر لنقطة الصفر.
لذلك فإن لدعوة الزوجين البيض دلالة مهمة. فحملة ترامب تسعى للاحتفاظ بقاعدته الانتخابية، التى هى بالأساس من البيض. فاستطلاعات الرأى قبل المؤتمر أشارت إلى أن ترامب فقد بعض أصوات البيض فى الضواحى تحديدا بسبب سوء أداء إدارته فى مواجهة جائحة كورونا. ومن هنا، تسعى الحملة لاستعادة أولئك البيض على أساس الرسالة نفسها التى اجتذبتهم فى انتخابات 2016، أى المسألة العرقية. وقد حققت الحملة، على ما يبدو، مرادها، فارتفعت شعبية ترامب بعد المؤتمر العام.