بقلم : منار الشوربجي
جيم كلايبورن النائب الديمقراطى البارز بمجلس النواب الأمريكى، شرح فى عبارات قصيرة حجم الأزمة التى تعيشها أمريكا هذه الأيام. فهو قال إن بلاده منذ فترة «تعانى وباءين، فيروس كورونا ووباء العنصرية المؤسسية» التى تكشف عنها اعتداءات رجال الشرطة البيض على المواطنين السود. ثم أضاف كلايبورن للأزمتين، إصابة الرئيس ونقله للمستشفى.
والحقيقة أن الولايات المتحدة أهم الدول التى عجزت عن مواجهة فيروس كورونا، الذى أودى بحياة أكثر من مائتى ألف مواطن. وقد أشارت استطلاعات الرأى إلى أن عجز ترامب عن مواجهة ذلك الوباء مسؤول عن تراجع شعبيته ضمن قطاعات مهمة كانت قد أعطته أصواتها بالانتخابات الماضية، وعلى رأسها المرأة البيضاء التى تسكن الضواحى وبعض المستقلين الذين يميلون نحو اليمين.
أما الوباء الثانى الذى ذكره كلايبورن فقد عبر عن نفسه فى صورة احتجاجات واسعة بعد أن كان مقتل جورج فلويد على يد رجال الشرطة البيض، بمثابة القشة التى قصمت ظهر البعير. وقد تزامن مقتل فلويد تقريبا مع مقتل الشابة بريونا تيلور فى مخدعها حين اقتحم رجال الشرطة البيض منزلها وأطلقوا عليها عشرات الرصاصات. لكن الاحتقان العرقى قد ازداد سوءا بدعم ترامب المستمر، الضمنى بل العلنى لجماعات التفوق الأبيض، بما فيها الميليشيات المدنية، مما جعلها قاب قوسين أو أدنى من استخدام العنف، خصوصا بانتخابات الرئاسة، كما حذر مكتب التحقيقات الفيدرالى صراحة فى أغسطس.
وما أضافه كلايبورن حول إصابة الرئيس ونقله للمستشفى يفتح الباب أمام أزمة سياسية ضارية وربما أزمة دستورية أيضا. فليس خافيا أن هذه هى المرة الأولى التى يصاب فيها الرئيس أثناء الحملة الانتخابية، لا أثناء الرئاسة، بوباء خطير ليس معروفا ما إذا كان سيتعافى منه بالنظر لتقدمه بالعمر. لكن المشكلة الأعمق هى أن الرئيس ومن ثبتت إصابتهم حتى الآن كانوا قد خالطوا عددا غير معلوم من المسؤولين السياسيين فى الإدارة والكونجرس. وإصابة ثلاثة من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين حتى الآن قد تودى بحلم ترامب فى تنصيب قاضية جديدة للمحكمة العليا. وإصابة ترامب وزوجته وعدد من العاملين معه بالفيروس تفتح الباب أمام الكثير من الأسئلة والاحتمالات. فقد يضطر الرئيس لنقل السلطة لنائبه، مايك بنس، مؤقتا، لحين استعادة لياقته. أما إذا عجز ترامب فجأة عن ممارسة مهامه، وقبل أن يفوض نائبه، يتولى النائب الرئاسة، عبر إجراءات حددها الدستور بالتفصيل.
وإصابة الكثير من العاملين بالبيت الأبيض تطرح أسئلة إضافية. فماذا لو تبين بعد أيام إصابة مايك بنس هو الآخر بالتزامن مع مرض الرئيس وصار عاجزا عن تولى الرئاسة. عندئذ، تتولى رئيسة مجلس النواب الرئاسة، وهو ما يعنى تحولا راديكاليا بالنسبة للانتخابات، وفى السياسة الأمريكية داخليا وخارجيا، لو بقيت فى الرئاسة لحين تنصيب الرئيس الجديد فى يناير عبر سيناريوهات قانونية عدة. والدستور يحدد تفصيليا أيضا من يتولى الرئاسة لو غيب الموت المرشح الفائز بعد انتخابه وقبل تنصيبه، ولكنه سكت عن تحديد ما الذى يحدث لو غاب أحد المشرحين قبل الانتخابات. وسؤال آخر يطرح نفسه بقوة، فماذا لو تبين أن المرشح الديمقراطى جو بايدن مصاب هو الآخر؟، فالمناظرة التليفزيونية التى جرت بين المرشحين قبل أيام جرت فى قاعة مغلقة، تبين أن العشرات ممن حضروا فيها كانوا مصابين بالفيروس. فالدستور سكت أيضا عن تحديد ما العمل لو غاب كلا المرشحين!.