بقلم - منار الشوربجي
شهر فبراير من كل عام هو الشهر الذى يتم فيه الاحتفاء بتاريخ السود فى الولايات المتحدة الأمريكية. وترجع جذور ذلك الاحتفال إلى عام 1915 حين تأسست جمعية كان هدفها دراسة حياة السود وتاريخهم فى الولايات المتحدة. وقتها كانت العبودية قد تم إلغاؤها قبل خمسين عاما تقريبا ولكن الفصل العنصرى كان سائدا. وكانت الجمعية الناشئة تشجع السود على الفخر بإسهاماتهم رغم ما يتعرضون له، وذلك عبر تسليط الأضواء على رموزهم التاريخية بل حتى على الأفراد العاديين ممن حققوا نجاحات رغم الصعاب أو قدموا تضحيات ملموسة للمجتمع أو للآخرين. وفى عام 1926، قامت تلك الجمعية، المعروفة اليوم باسم «جمعية دراسة حياة السود وتاريخهم»، بإعلان الأسبوع الثانى من شهر فبراير أسبوعا للاحتفاء بتاريخ السود لأنه الذى ولد فيه المفكر الأسود العظيم فريدريك دوجلاس والرئيس إبراهام لينكولن الذى خاض الحرب الأهلية ضد قوات الجنوب الأمريكى التى كانت تسعى للإبقاء على العبودية.
وقد استمر الاحتفال بأسبوع تاريخ السود لعقود متتالية إلى أن حققت حركة الحقوق المدنية إنجازاتها على صعيد إلغاء الفصل العنصرى والتمييز القانونى فى الستينات، فتحول عندئذ الأسبوع إلى شهر كامل صار هو شهر فبراير من كل عام، وظل السود يحتفلون فى ذلك الشهر، إلى أن قام الرئيس جيرالد فورد فى عام 1976 بإضفاء الطابع الرسمى على المناسبة فصار الأمريكيون عموما يحتفلون به. ومنذ ذلك التاريخ صارت الولايات المتحدة تحدد رسميا كل عام موضوعا بعينه تدور حوله فعاليات ذلك الشهر ويتم من خلاله تقديم نماذج ورموز يحتفى بها. وفى العام الحالى، الذى يمثل مرور مائة عام على نهاية الحرب العالمية الأولى، وقع الاختيار على موضوع «الأمريكيون من أصل أفريقى فى أوقات الحروب».
المفارقة فى تقديرى هو أن اختيار الموضوع بمناسبة مرور مائة عام على الحرب العالمية الأولى يحكى فى ذاته واحدة من أهم قصص السود الأمريكيين. فهم خاضوا تلك الحرب بينما هم خاضعون للفصل العنصرى فى صفوف الجيش الأمريكى. فالفصل العنصرى بالجيش الأمريكى لم يتم إلغاؤه إلا فى عهد الرئيس ترومان حين أصدر أمرا تنفيذيا يلغى ذلك الفصل عام 1948، أى فى نهاية الحرب العالمية الثانية. وبصدور قرار ترومان، صارت المؤسسة العسكرية الأمريكية هى أولى المؤسسات التى تلغى الفصل، وتسبق ما عداها من مؤسسات بفترة تربو على عقدين كاملين.
ويحتفل السود هذا العام بالعالم الأسود كارتر وودسون الذى كان وراء التفكير أصلا فى إنشاء «أسبوع تاريخ السود». فوودسون الذى كان ابنا لاثنين من العبيد تحررا عند إلغاء العبودية، استطاع، بموارد أسرته القليلة، أن يتفوق فى تعليمه حتى حصل على درجة الماجستير من جامعة شيكاغو، ثم الدكتوراة من جامعة هارفارد. وودسون كان وراء إنشاء جمعية «تاريخ السود وحياتهم» التى دعت للاحتفاء بأسبوع «تاريخ السود». ومثله مثل كثير من الرموز المهمة، ظلت قصة حياة وودسون ملهمة لملايين السود. فالرموز السوداء أسهمت بشكل محورى فى تاريخ الولايات المتحدة. وهى رموز لا تقتصر على الأسماء المعروفة مثل مارتن لوثر كينج ومالكولم إكس فى مجال السياسة، وتونى موريسون فى الأدب وفريدريك دوجلاس فى الفكر وثورجود مارشال فى القانون وسيدنى بواتييه فى السينما. فإلى جانب هؤلاء يوجد الآلاف من الرموز التى لعبت دورا مؤثرا فى تشكيل تاريخ أمريكا وثقافتها.
نقلا عن المصري اليوم القاهرية