بقلم - منار الشوربجي
في أجواء الاستقطاب الحاد التي تعيشها واشنطن، تشهد الساحة السياسية عشرات التراشقات والاتهامات المتبادلة بين القوى والتيارات المختلفة. لذلك كان لافتًا أن يعبر أحد رموز أقصى اليمين عن إعجابه برموز اليسار! ففى حوار مع مجلة «تايم» الأمريكية، أبدى النائب الجمهورى مات جيتس إعجابه بالتيار التقدمى بالحزب الديمقراطى، مشيرًا إلى أنه يدرس أداء ذلك التيار في مجلس النواب ليتعلم منه كيف يمارس نفوذه! والنائب مات جيتس هو أحد نواب أقصى اليمين، والذين كانوا، ولايزالون، قريبين للغاية من الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب. وهو يشكل، مع عدد محدود من الأعضاء، فريقًا يسعى لشل الحياة السياسية لحرمان الديمقراطيين من تحقيق أي إنجاز يُحسب لهم. فرغم أن مجلس النواب يقوم عمله على الأغلبية البسيطة، التي تُمكن الديمقراطيين بحكم توليهم الأغلبية من تجاهل الأقلية، فإن ذلك الفريق، المكون من ثمانية نواب فقط، برع في استخدام التكتيكات الإجرائية لتعطيل سير العمل. وجيتس، في حواره مع «تايم»، كان يقصد بالتيار التقدمى مجموعة من النائبات التقدميات اللائى يطلق عليهن «الكتيبة»، واللائى استطعن في حالات كثيرة رغم عددهن المحدود دفع المجلس دفعًا لاتخاذ مواقف يطالب بها الملايين من الأمريكيين، وإجبار قيادة الحزب الديمقراطى على الاستماع لهن. وقد ذكر جيتس واقعة بعينها كانت بطلتها النائبة بوش، التي كانت وقتها لاتزال في عامها الأول كنائبة بالمجلس. والنائبة بوش لا تنتمى، بالمناسبة، للعائلة الرئاسية التي أتى منها رئيسان وحكمت أمريكا اثنى عشر عامًا، وإنما هي النائبة السوداء كورى بوش. وأصل الحكاية أن فقدان الوظائف بسبب وباء كورونا كان قد أدى لعجز الملايين من الأمريكيين عن سداد استحقاقات القروض الخاصة بشراء منازلهم فصاروا مهددين بالطرد منها، لولا أن فرضت الحكومة الفيدرالية تعطيلًا مؤقتًا لإجراءات الطرد. لكن ذلك التعطيل المؤقت كان على وشك الانتهاء بينما لم تتحسن أحوال الملايين وظلوا عاجزين عن السداد. وقتها أرادت بوش استصدار قانون من الكونجرس لإنقاذهم، لكن قياداته، من الديمقراطيين، لم تكن تملك الأصوات الكافية، فراحت بوش تضغط على إدارة بايدن لاستصدار أمر تنفيذى لمد التعطيل فترة إضافية ولكن دون جدوى. عندئذ، أعدت كورى بوش متعلقاتها وافترشت سلالم مجلس النواب وباتت ليلتها هناك، قائلة إنها ستعيش في العراء في صقيع فبراير مثلما سيفعل أبناء دائرتها عند طردهم. وبعد فترة وجيزة، انضمت لها زميلتاها ألكزاندرا أوكازيو كورتيز وأيانا برسلى. ويعلم القاصى والدانى أن ضغوط كورى بوش كانت المسؤولة عن تراجع إدارة بايدن وقيامها بالفعل بتعطيل الإجراءات 60 يومًا إضافية.
والحقيقة أن قصة النائبة كورى بوش تستحق أن تُروى. فهى شخصية ملهمة تمثل نموذجًا مختلفًا من السياسيين الأمريكيين. فهى أول امرأة سوداء تمثل مدينة سانت لويس بولاية ميسورى، ويُعرف عنها، بالمناسبة، أنها تبدأ كل خطبها بعبارة: «أنا وسانت لويس». وهى من أصول فقيرة وعملت في وظائف متواضعة حتى أكملت تعليمها وصارت ممرضة. وبوش كانت تفهم جيدًا معاناة الذي أوشكوا على الطرد من منازلهم. فهى لم تخجل يومًا أن تقول علنًا إنها عاشت في سيارتها لشهور دون مأوى. وعندما كانت تفترش سلالم الكونجرس علمت أن كاملا هاريس، نائبة الرئيس بايدن، وصلت لمبنى مجلس الشيوخ للاشتراك في فعالية أخرى. وقتها، روت أنها هرعت للقائها قائلة: «أردت أن أقابلها وأنظر في عينيها وأجعلها هي تنظر في عينىّ، فترى بداخلى معاناة أهالى سانت لويس».