توقيت القاهرة المحلي 10:31:51 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لماذا يصدق الناس الأخبار الكاذبة؟

  مصر اليوم -

لماذا يصدق الناس الأخبار الكاذبة

بقلم - منار الشوربجي

كثيرة هي المرات، التي نفاجأ فيها بأخبار زائفة، وحكايات بلا أساس عن قوى خفية، تهيمن على الكون صار الناس يصدقونها، ويعتبرونها الحقيقة، التي لا يأتيها الباطل، والإقبال على تلك الأفكار بالغ الخطورة على عافية المجتمعات، وبنائها السياسي والاجتماعي، وفي مثل هذه الحالات ينشغل المعنيون بتفنيد تلك الأفكار والمعتقدات البائسة دون اهتمام كافٍ بالأسباب، التي تدفع الناس لتصديقها، فرغم أن بعضها يدخل أحياناً في نطاق اللا معقول، بينما ينطوي غيرها على تناقضات تدعو كل ذي عقل للتوقف، يصدقها الناس ونادراً ما يقبلون ما يقنعهم بعكسها، لذلك يستحيل أن نضع أيدينا على الطريقة المثلى لإقناعهم دون الوقوف على الأسباب، التي تجعلهم يُقبلون على مثل تلك الأفكار أصلاً، والحقيقة أن الإيمان بمثل تلك الأفكار والحكايات اللا معقولة لا علاقة له بتخلف المجتمعات وتقدمها، فكثيرة هي المجتمعات المتقدمة، التي يؤمن الناس فيها بما هو غير حقيقي، وبوجود مؤامرات لا مؤامرة واحدة عادة ما تتداخل فيما بينها لحد التناقض، فلا يزال هناك من يؤمنون حتى اليوم في بريطانيا بمؤامرات كثيرة حول مقتل الأميرة ديانا، ويؤمنون في الوقت ذاته بأنها حية ترزق في مكان بعيد عن الأنظار.

أما دوافع تصديق الناس فيرجعها البعض للكسل الفكري والعزوف عن البحث عن المعلومات الصحيحة، بينما يرجعها آخرون للجهل، لكن الأبحاث العلمية خصوصاً في علم النفس، تطورت حتى باتت تقدم نظريات متعددة، فالنظرية التقليدية كانت تقول إن البشر يؤمنون بالأفكار، التي تتوافق مع منظومتهم الفكرية أصلاً، وبالتالي يجعل الانحياز الفكري والسياسي المرء يؤمن بما يتوافق مع انحيازاته، وخصوصاً إذا كان مروجها ينتمي لتياره الفكرى ذاته، ويحظى عنده بالاحترام، لكن نظريات أخرى برزت فيما بعد تولي الأهمية لعوامل أخرى، فعلى سبيل المثال أثبتت البحوث التي أجريت على عينات مختلفة أن التفكير وفق منطق سليم هو العامل الحاسم، فالإيمان بمثل تلك الأفكار ونظريات المؤامرة ينبع أساساً من العجز عن استخدام المنطق السليم، وتبين أن الذين يمتلكون منطقاً سليماً قادرون على رفض تلك الأفكار حتى لو اتسقت مع انحيازاتهم أو صدرت عمن يتفقون معهم في الرأي، وهناك أبحاث أخرى لا تنكر دور الانحيازات، ولكنها أثبتت أن السبب، خصوصاً في زمن وسائل التواصل الاجتماعي، هو أن من يصدقون أفكاراً ومؤامرات تتواتر على تلك الوسائط لا ينبع من التحيزات الفكرية بقدر ما يرجع للسرعة في التصفح، فعدم توقف الفرد قليلاً ليتأمل ما يقرأ يجعله أكثر ميلاً لتصديق ما يقرأه، لكن الاعتماد على علم النفس وحده ليس كافياً لفهم الظاهرة في تقديري، إذ يلزم السعي لفهم تأثير المجتمع والمحيطين بالمرء، فالمحيط الاجتماعي للفرد وضغوط الأصدقاء يدفعه أحياناً لأخذ ما يقولونه كمسلمات لئلا يشذ عن الجماعة.

صحيح أن هناك دوافع نفسية، لكن لا يجوز أن نغض الطرف عن التأثير الاجتماعي، ففي الإيمان بنظريات المؤامرة مثلاً يقول علماء النفس: إن الشعور بعدم اليقين أو بالعجز وقلة الحيلة شعور تكرهه النفس البشرية، ومن ثم يميل الإنسان عندئذ لتصديق وجود قوى خفية شديدة البأس، تعمل في الخفاء، ولها أهداف شريرة، وبينما يرون أن الشخصية النرجسية أكثر ميلاً لنظريات المؤامرة، لأنها تشعر معها بالتفوق على الآخرين بامتلاك معلومات لا يعرفونها، إلا أن علماء الاجتماع يرون أن هناك أسباباً تتعلق بضغوط الأقران والمحيط الاجتماعي، والحقيقة أن علماء السياسة والاجتماع أدركوا تلك الحقيقة، فدرسوا مفهوم «التفكير الجمعي» وتأثيره السلبي على اتخاذ القرار، فالجماعة المغلقة التي يفكر أفرادها وفق المنطق نفسه عادة ما يغذي كل منهما تفكير الآخر، ويؤكده لديه الأمر، الذي يسهل معه على جماعتهم استبعاد الأفكار والبدائل التي لا تتفق مع أفكارهم، وقد درس علماء السياسة التأثير الكارثي للتفكير الجمعي في اتخاذ قرارات أمريكية بائسة في أزمة خليج الخنازير، بل وفي حرب فيتنام، ودلالة ذلك كله أننا في حاجة لمنهج بحثي تكاملي، يجمع خلاصة أبحاث علوم مختلفة، من أجل فهم ظاهرة تصديق قطاعات واسعة في مجتمعات عدة للأخبار الكاذبة، والتي صارت تنتشر كالنار في الهشيم في عصر فوضى المعلومات.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا يصدق الناس الأخبار الكاذبة لماذا يصدق الناس الأخبار الكاذبة



GMT 03:46 2023 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

شعب مالوش كتالوج!!

GMT 03:18 2023 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

الغباء المدمر

GMT 03:13 2023 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

عندما قال كيسنجر: «أي شىء يتحرك»!

GMT 04:58 2023 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

أيها العالم.. استيقظ

GMT 04:53 2023 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

لماذا السيسي؟!

إطلالات عملية ومريحة للنجمات في مهرجان الجونة أبرزها ليسرا وهند صبري

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 18:09 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه
  مصر اليوم - بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه

GMT 09:06 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

وزيرا خارجية مصر وأميركا يبحثان هاتفيا الوضع في الشرق الأوسط
  مصر اليوم - وزيرا خارجية مصر وأميركا يبحثان هاتفيا الوضع في الشرق الأوسط

GMT 04:39 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

جيش منظم على الإنترنت ضد "تزوير الانتخابات" يدعمه إيلون ماسك
  مصر اليوم - جيش منظم على الإنترنت ضد تزوير الانتخابات يدعمه إيلون ماسك

GMT 09:38 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الحوت

GMT 00:05 2023 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الأهلي يستقر على التجديد لعمرو السولية

GMT 07:13 2021 الثلاثاء ,20 تموز / يوليو

جزء ثانٍ من فيلم «موسى» في صيف 2022 قيد الدراسة

GMT 13:06 2021 الثلاثاء ,08 حزيران / يونيو

أنشيلوتي يحسم موققه من ضم محمد صلاح إلى ريال مدريد

GMT 09:11 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الحمل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon