بقلم - منار الشوربجي
النائبة اليهودية الديمقراطية سوزان وايلد أصدرت الأسبوع الماضى بيانًا داعمًا لإسرائيل. لكنها فى اجتماع مغلق للديمقراطيين بالمجلس لم تقل أكثر من أنها حضرت عبر الأقمار الصناعية مناسبة أُضيئت فيها الشموع للضحايا (الإسرائيليين) عقب طوفان الأقصى، وأضافت أنها لم تكن تريد لأى جماعة دينية أن تشعر بالاستبعاد كون المسلمين لم يكن لهم تمثيل بتلك المناسبة. عندئذ انقلب الاجتماع رأسًا على عقب إذ قاطعها أحد زملائها- النائب الديمقراطى، جوش جوتثيمر- الذى قال على مسمع من زملائه إنهم «جميعًا مذنبون». بعدها اختلف الحاضرون فيما إذا كان الرجل قد قصد المسلمين بقوله: «جميعًا»، أم كان يقصد الفلسطينيين، أم الاثنين! ثم شهد الاجتماع تراشقًا لفظيًا وصياحًا إذ دخل آخرون على الخط، وانتهى بانسحاب النائبتين المسلمتين رشيدة طليب وإلهان عمر، وسط تلك المعركة الكلامية.
والنائبة رشيدة طليب، فلسطينية الأصل، نالها هى الأخرى من النائب نفسه رشقًا لفظيًا بسبب بيان نشرته على صفحتها على «تويتر». فرغم أن «طليب» نَعَت فى البيان «الفلسطينيين والإسرائيليين»، إلا أن جريمتها كانت أنها قالت: «إن عدم الاعتراف بعنف العيش تحت الاحتلال والحصار والأبارتيد لا يجعل أحدًا أكثر أمنًا». وأضافت: «لا يجوز أن ننكر إنسانية بعضنا البعض. وحين تقدّم بلادنا تمويلًا غير مشروط بالمليارات لدعم حكومة الأبارتيد، فإن مثل تلك الدائرة من العنف الذى يدمى القلوب سوف تستمر». عندئذ نالت ما نالت من الاتهامات من جوتثيمر وغيره لأنها ساوت بين الفلسطينيين والإسرائيليين فى الإنسانية وأدانت الاحتلال والأبارتيد! «والجريمة» نفسها ارتكبتها النائبة الديمقراطية السوداء كورى بوش. فهى بعد أن أدانت فى بيانها قتل المدنيين ونَعَت الفلسطينيين والإسرائيليين على السواء، دعت لـ«وقف فورى» لإطلاق النار قائلة إن «التركيز اليوم ينبغى أن يكون على حماية الأرواح، لكن التركيز (على المدى الأطول نسبيًا) لابد أن يكون على إيجاد سلام دائم وعادل». ثم أضافت بوش أن بلادها «لابد أن تتوقف عن دعم الاحتلال العسكرى ونظام الأبارتيد الإسرائيلى». باختصار كان المطلوب، كما قال جوتثيمر بنفسه ويقول حلفاؤه، أن يكون الموقف الوحيد لأى عضو بالكونجرس هو «الدعم غير المشروط» لإسرائيل، والإنكار المطلق لوجود احتلال أصلًا بل وللوجود الفلسطينى من الأساس.
وما يدعو للتأمل أن قيادات الحزب الديمقراطى بمجلس النواب تدخلت فى تلك المعركة بين أعضائها بالاصطفاف وراء الطرف الداعم بلا شروط لإسرائيل، بينما تشير استطلاعات الرأى المرة بعد الأخرى إلى أن أغلبية ناخبى الحزب الديمقراطى مواقفهم أقرب لمواقف كورى بوش ورشيدة طليب منها للنائب جوتثيمر! ثم إن نتنياهو كان أول رئيس وزراء لإسرائيل طوال تاريخها لا يهمه أن تظل إسرائيل قضية إجماع من الحزبين الكبيرين فى الولايات المتحدة. فهو وضع كل ثقله وراء الجمهوريين دون الديمقراطيين، ووقف، مثلًا، داخل الكونجرس يحرض أغلبيته الجمهورية على أوباما الرئيس الديمقراطى، بل ووقف علنًا فى انتخابات الرئاسة مع المرشح الجمهورى. ورغم أنه ليس سرًا أن تلك المواقف قد أحدثت شرخًا بين الديمقراطيين ونتنياهو، وخصوصًا بعدما اندلعت المظاهرات داخل إسرائيل ضد عزم الأخير على تطويع القضاء هناك. أما السبب فى مواقف قيادات الحزب الديمقراطى فهو لا يرجع لأصوات الناخبين اليهود، كما يتصور البعض، وإنما يرجع بالدرجة الأولى إلى أن قيادات الحزب الديمقراطى تتلقى فى حملاتها الانتخابية تمويلًا ضخمًا من جانب جماعات المصالح الداعمة لإسرائيل. وتمويل الحملات هو أحد مثالب النظام السياسى ذات التأثير الفادح فى السياسة الداخلية والخارجية على السواء