بقلم - منار الشوربجي
إلغاء القمة الرباعية التى كان بايدن سيحضرها بالأردن الأسبوع الماضى أحد تجليات سقوط مجموعة من الأساطير الإسرائيلية الأمريكية التى تم الترويج لها على مدى عقود حتى صارت وكأنها مُسلمات. وأولى تلك الأساطير أنه بإمكان إسرائيل القفز على القضية الفلسطينية وتهميشها، ثم التعامل مع المنطقة بدولها وشعوبها وكأن شيئا لم يكن!.
والحقيقة أن إسرائيل خلقت تلك الأسطورة وساهمت أمريكا فى صنعها صنعًا، فإسرائيل تروّج منذ عقود لفكرة مؤداها أن العلاقة بينها وبين العرب يمكن إيجادها ثم تعميقها حتى لو ظلت القضية الفلسطينية دون حل. ونتنياهو زعم علنًا أمام الشاشات أن القليل للغاية فى محادثاته مع القادة العرب يتعلق بفلسطين. وتضيف إسرائيل أن المنطقة العربية تنوء بالصراعات الملتهبة من اليمن والعراق ومرورا بليبيا وسوريا ووصولا للسودان.. وعليه فالقضية الفلسطينية هى كغيرها من الصراعات، فلا هى محورية، ولا هى تمس غيرها من الموضوعات وخصوصا ملف التطبيع.
وقد راقت الأسطورة للأمريكيين؛ لأنهم يريدون تقليل اهتمامهم، فى العالم وخصوصا فى الشرق الأوسط، من أجل التفرغ للصين. واستراتيجية إدارة بايدن تقوم فى كل منطقة بالعالم على تشكيل محور من عدد صغير من الحلفاء يشكل النواة لحماية مصالحها، فأنشأوا ما يسمى «الكواد» (الرباعية) فى آسيا، ثم قال وزير الخارجية الأمريكى صراحة عند ترويجه لأحد المحاور الناشئة بالشرق الأوسط إنه مثيل لـ«الكواد» الآسيوى.. لكن هذه الأسطورة سقطت حين فرضت القضية الفلسطينية نفسها فرضا على واقع الشرق الأوسط.
وقد سقطت أسطورة أخرى أطلق عليها «الأرض مقابل السلام».. فقد ثبت طوال العقود الماضية أن إسرائيل تريد «الأرض والسلام معًا» دون أن تقدم شيئا على الإطلاق!، فحل الدولتين مات عمليًا، إذ لم يتوقف يوما التهام الأرض التى كان يفترض أن تقوم عليها الدولة الفلسطينية، بل راحت إسرائيل تعلن صراحة أنها ضد حل الدولتين، وصار وزراء الحكومة الإسرائيلية الحالية يدعون علنا لضم الضفة، بل وصل الصلف الإسرائيلى إلى حد أن وقف نتنياهو على منصة الأمم المتحدة وفى يده خريطة ليس بها فلسطين أصلًا!.
والحقيقة أن حل الدولة الواحدة بحقوق مواطنة متساوية والذى رفضته إسرائيل طويلا، كان ويظل الخيار الوحيد فى تقديرى، بل لم تترك اليوم غيره خيارا.. فالفلسطينيون لن يتركوا أرضهم، وإسرائيل فشلت رغم كل صلفها وعدوانها فى أن تجعل أصحاب الضمائر الحية حول العالم ينسون الحقوق الفلسطينية. وعدد اليهود الذين خرجوا فى مسيرات احتجاجا على العقاب الجماعى الذى تنزله إسرائيل بغزة يفوق أى مرة سابقة.
وهناك عشرات الأساطير الأخرى التى سقطت منذ أزمنة بعيدة، لكن الكثيرين ظلوا حتى الأيام الأخيرة لا يصدقون سقوطها، مثل أسطورة «التقدم الغربى».. إلا إذا كان التقدم معناه تصديع رؤوسنا كلما صدرت حماقة عن عربى أو مسلم، ثم التزام صمت القبور حين يقف وزير الدفاع الإسرائيلى أمام الكاميرات ليصف الفلسطينيين بـ«الحيوانات البشرية».
تمهيدا لحرب إبادة جماعية، ومثل أسطورة العلمانية الغربية. فتصور معى، عزيزى القارئ، الصراخ الذى كان سيصم آذاننا لو أن وزيرًا عربيًا زار فلسطين، فقال: «لست هنا فقط بصفتى الوزارية وإنما جئت أيضا كمسلم» أو «جئت أيضا كمسيحى».. ثم قارن ذلك بالصمت المدوى الذى لازم تصريح وزير الخارجية الأمريكى فى مؤتمر صحفى بإسرائيل قال فيه: «لست هنا فقط بصفتى وزيرًا للخارجية الأمريكية وإنما أيضا كيهودى»!.
وبالمناسبة، فالذين يحلمون بأن تصبح الصين هى القوة العظمى بدلا من أمريكا، ما عليهم إلا أن يقرأوا البيانات الصينية التى صدرت بخصوص قتل الفلسطينيين.