المفارقة الأهم فى الخطاب الذى ألقاه جون بولتون، مستشار الأمن القومى الأمريكى، وقدم فيه استراتيجية إدارة ترامب تجاه أفريقيا- هى أن الخطاب لم يكن عن أفريقيا، وإنما عن مواجهة الصين!
ويبدو أن بولتون، أحد أهم رموز تيار المحافظين الجدد، هو صاحب الفكرة الجوهرية التى تقوم عليها الاستراتيجية، وهى عدم السماح للصين وروسيا بمنافسة الولايات المتحدة فى أفريقيا.
فالفكرة ذاتها من أهم أفكار تيار المحافظين الجدد، الذى انبنت أفكاره، بعد نهاية الحرب الباردة، على الإبقاء على الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة فى العالم، وتدشين ما سموه بـ«القرن الأمريكى»، أى (قرن كامل من الهيمنة الأمريكية على العالم، وعدم السماح لأى قوة عالمية أن تصبح قادرة على منافسة الولايات المتحدة).
كان واضحًا بالتأكيد أن هناك قلقًا أمريكيًا من تعاظم النفوذ الصينى، وخصوصًا فى أفريقيا جنوب الصحراء؛ فقد وصلت الاستثمارات الصينية المباشرة فى العامين الأخيرين لما يزيد على 6.4 مليار دولار.
وبولتون قال «إن قوى كبرى منافسة- وتحديدا الصين وروسيا- تسرع فى توسيع نطاق نفوذها المالى والسياسى فى أنحاء القارة. وهما يوجهان استثماراتهما، عمدا وبكل قوة فى المنطقة ليحققا تفوقا تنافسيا على الولايات المتحدة».
وأدان بولتون بالمطلق دور الصين فى أفريقيا باعتباره يضر تمامًا باقتصادات دول القارة. ورغم أن الكثير من الباحثين قد وجهوا بالفعل انتقادات لنوعية القروض التى تقدمها الصين لدول أفريقيا، فأولئك الباحثون قدموا أيضا جوانب إيجابية كثيرة فى التعاون الصينى الأفريقى المالى والاقتصادى بما يحقق المنفعة.
واللافت هنا أن أجواء التنافس على الاستثمارات بدت فى خطاب مستشار الأمن القومى الأمريكى كحرب فيها خسارة مطلقة وكسب ومطلق.
بعبارة أخرى، فإن أخطر ما فى الاستراتيجية الأمريكية الجديدة تجاه أفريقيا هو أنها معدة لاستهداف الصين، باعتبارها حرب نفوذ معها، لا شراكة أمريكية أفريقية.
فلغة خطاب بولتون حملت أيضا بعض العبارات التى بدت كتحذير لدول أفريقيا أكثر منها دعوة للتعاون.
فبولتون قال فى خطابه إن «الولايات المتحدة ستكف عن تقديم المساعدات بلا تمييز لكل دول القارة.. نحن نريد أن نرى المزيد مقابل أموال دافع الضرائب».
ثم أضاف مستشار الأمن القومى الأمريكى: «إن الدول التى تدلى بصوتها فى المحافل الدولية ضد الولايات المتحدة أو تتخذ مواقف مناهضة للمصالح الأمريكية لا ينبغى أن تحصل على مساعدات أمريكية».
وهو ما يحمل تناقضا جوهريًا فى الاستراتيجية مع فكرتها الجوهرية التى هى المواجهة مع الصين.
فالمعايير التى حددها بولتون فى خطابه لحصول دولة أفريقية على المساعدات الأمريكية لا تجيب عن السؤال الرئيسى الذى تطرحه فكرة المواجهة مع الصين.
فماذا لو أن دولة أفريقية ما انطبقت عليها المعايير التى حددها بولتون، وفى الوقت ذاته ليست محل تنافس صينى أمريكى؟
فهل ستدعمها آنذاك الولايات المتحدة، أم ستتجاهلها؟!
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع