قبل أيام من حلول الذكرى السبعين لحظر الفصل العنصري بالمدارس الأمريكية، قررت مدرستان بولاية فيرجينيا العودة لتسمية نفسيهما بأسماء شخصيات مناصرة للعبودية. فكانت المفارقة لافتة.
فقرار المحكمة العليا بحظر الفصل العنصري بالمدارس صدر عام 1954 بينما لا تزال هناك، في القرن الواحد والعشرين، قوى أمريكية تفكر بعقلية القرن التاسع عشر. ومن المفارقات أيضاً أن ولاية فيرجينيا هي ذاتها واحدة من ولايات الجنوب التي خاضت الحرب الأهلية الأمريكية دفاعاً عن العبودية ورفضاً لإلغائها.
والحرب الأهلية، التي راح ضحيتها أكثر من 750 ألف شخص، انهزمت فيها ولايات الجنوب وألغيت فيها العبودية. لكن انتهاء الحرب لم يكن يعني أبداً أن تلك الولايات قد تراجعت عن موقفها.
فسرعان ما أرست نظام الفصل العنصري المقيت، الذي ظل قائماً لما يقرب من مائة عام حتى تم حظره قانونياً في النصف الثاني من القرن العشرين. والقوى التي قاومت إلغاء العبودية هي نفسها التي قاومت إلغاء الفصل العنصري ولا تزال تحتفي برموز الحقبتين ممن تزعموا رفض المساواة والعدل.
ومن زار الجنوب الأمريكي قبل بداية العقد الحالي كان بإمكانه أن يرى بسهولة عشرات التماثيل لتلك الرموز في الميادين والساحات العامة، بل وفي باحات المجالس التشريعية. ويصادف المرء هناك الكثير من المؤسسات التي تحمل أسماء تلك الرموز بزعم أنهم «أبطال لابد من الاحتفاء بهم».
لكن الكثير من تلك الولايات اضطرت اضطراراً في أوج حركة «حياة السود مهمة» أن تحذف تلك الأسماء وترفع تلك التماثيل من الساحات العامة. ولم تكن مدرستا ولاية فيرجينيا استثناءً من تلك القاعدة، إذ اضطرتا لإطلاق اسمين جديدين على كليهما وحذف أسماء رموز العبودية.
لكن تلك الانطلاقة على طريق الحرية واجهت المقاومة الشرسة ذاتها التي واجهتها كل الخطوات التاريخية المماثلة. وتراجع المدرستين بعد أقل من أربع سنوات هو آخر تجليات تلك المقاومة.
واللافت أن المدرستين أعلنتا أن وراء القرارين حملة لما يسمى «الائتلاف من أجل مدارس أفضل»، وقع أعضاؤه خطابات تطالب المدرستين باستعادة الاسمين القديمين، بزعم أن تلك خطوة «ضرورية لرد الاعتبار لإرثنا التاريخي وللنزول على رغبة الأغلبية».
والعبارة السابقة تنطوي على تلفيق واضح. فهناك فارق كبير بين احترام الإرث التاريخي من ناحية والاحتفاء به من ناحية أخرى. ففي تاريخ كل أمة ما لا يستحق الحفاوة لكن ينبغي أن يحترم. واحترام التاريخ يعني الاعتراف به واستيعاب دروسه وعبره. وفي تاريخ العبودية تحديداً، كانت «الأغلبية» تستعبد الأقلية، الأمر الذي يعني أنه إرث تاريخي مؤلم ومرير للأقليات.
ومن هنا، فإن احترامه يعني عدم السماح بسقوطه من الذاكرة الجمعية، لا الحفاوة التي تحيي جروحه صباح مساء. فتلك الجروح عبرت عنها طالبة سوداء تدرس بإحدى المدرستين. فالطالبة متفوقة رياضياً وتمثل مدرستها في أكثر من رياضة. وهي قالت إن عودة الاسم القديم «معناه أن أحمل في المسابقات اسم رمز حارب من أجل الإبقاء على أجدادي عبيداً».
ولما كانت واقعة المدرستين قد جرت قبل أيام من الذكرى السبعين لإلغاء الفصل العنصري في المدارس، فإنها تعيد التأكيد على أن أفكار التفوق الأبيض تضرب بجذورها في عمق الثقافة الأمريكية. وهى المسؤولة عن المقاومة الشرسة لأي إنجاز يتحقق على طريق المساواة لغير البيض. وما «الائتلاف من أجل مدارس أفضل» إلا آخر تجليات تلك المقاومة.
فحين صدر قرار المحكمة عام 1954، لاقى مقاومة ضارية استخدمت أدوات شتى بما فيها العنف ضد الطلاب السود لمنعهم من دخول المدارس. والمفارقة أن مقاومي القرار كانوا أول من أصر لاحقاً على الالتزام به حرفياً. فمنطوق القرار انصب فقط على الطلاب، بينما لم يتطرق للمعلمين. فكانت النتيجة استمرار التمييز ضد المعلمين السود، بل ازداد شراسة بعد صدور قرار المحكمة.
فخلال العقد الأول وحده بعد قرار المحكمة، طردت مدارس البيض حوالي 38 ألف مدرس بذرائع مختلفة، وهو وضع لم يتحسن حتى اليوم. بل إن الفصل العنصري بين الطلاب لا يزال قائماً حتى اليوم، وإن اتخذ لنفسه أسماء أكثر نعومة تستحق في ذاتها حديثاً آخر.