بقلم - منار الشوربجي
المعارك التى يفتحها الرئيس ترامب مع مختلف مؤسسات الحكم الأمريكية وصلت هذه المرة لتراشق خارج تمامًا عن المألوف بين الرئيس الأمريكى ورئيس المحكمة العليا.
فبعد أن أصدر قاضٍ فيدرالى، الشهر الجارى، حكمًا يقضى بإيقاف سياسة الإدارة بخصوص اللاجئين، انتقد ترامب القاضى بشدة، ووصفه بأنه «قاضى أوباما»، بينما وصف الدائرة القضائية الفيدرالية نفسها بأنها «عار» على بلاده، وألمح لإمكانية تفتيتها لأكثر من دائرة. وقد تبع ذلك رد فعل من رئيس المحكمة العليا، جون روبرتس، الذى قال، فى تصريح لافت: «لا يوجد لدينا قضاة أوباما وقضاة ترامب، أو قضاة بوش وقضاة كلينتون. ما لدينا هو مجموعة استثنائية من القضاة المخلصين الذين يجتهدون لتأكيد الحقوق المتساوية لكل من يمثلون أمامهم. والقضاء المستقل هو ما ينبغى أن نكون جميعًا ممتنين لوجوده».
لكن التراشق لم يقف عند ذلك الحد؛ إذ كتب ترامب تغريدتين ردا على روبرتس، قائلا: «آسف، يا رئيس المحكمة، جون روبرتس، لدينا بالفعل قضاة أوباما، ولديهم رأى مختلف للغاية عن موقف المسؤولين عن حماية بلادنا».
وأشار- تحديدا- للدائرة الفيدرالية نفسها التى ألمح لتفتيتها، مشيرا لكثرة المرات التى أصدرت فيها أحكاما ضد سياساته، داعيا رئيس المحكمة لأن «يدرس تلك الأرقام، فهى صادمة».
والحقيقة أن التراشق برمته غير مألوف من زوايا عدة، أولاها نوعية الانتقادات التى وجهها ترامب. فليس جديدًا بالمرة أن يختلف الرئيس الأمريكى مع أحكام القضاء. ولا هو جديد أيضا أن يوجه انتقادات علنية صريحة لتلك الأحكام. لكن غير المألوف هو الانتقاد الشخصى للقضاة أنفسهم. ولترامب سابقة فى ذلك أثناء الحملة الانتخابية للرئاسة.
الزاوية الثانية هى وصف القضاة باسم الرئيس الذى اختارهم، أى إشارة ترامب لأحد القضاة، ثم بعضهم بتعبير «قضاة أوباما».
فوفق الدستور الأمريكى، يختار الرئيس قضاة المحاكم الفيدرالية كلها، وهو الاختيار الخاضع لتصديق مجلس الشيوخ. واختيار رئيس ما قاضيًا فيدراليًا لا يعنى بالضرورة أن يدين ذلك القاضى بالولاء للرئيس.
ولعل أفضل تجسيد لذلك هو رد الرئيس أيزنهاور، حينما سئل عما إذا كان ارتكب أخطاء أثناء رئاسته، فقال: «نعم، ارتكبت خطأين، وكلاهما يشغل مقعدا بالمحكمة العليا».
فاختيار الرئيس للقضاة معناه أن المحاكم ليست بمنأى عن التوجهات السياسية، لكنه لا يعنى بالمرة عدم استقلالية القضاة. ورئيس المحكمة العليا الذى تولى الرد على ترامب نموذج آخر لذلك المعنى، فهو قاضٍ محافظٌ اختاره الرئيس، الجمهورى، بوش الابن.
وطالما التزم روبرتس بالتجنب المعتاد لقضاة المحكمة الخوض فى المعارك السياسية، فإنه اختار هذه المرة الرد على رئيس «محافظ»، ينتمى لنفس حزب الرئيس الذى اختاره، لأن الأخطر، فى تقديرى، من بين كل اللامألوف فى الواقعة هو أن المسألة لم تتعلق هذه المرة بحكم قضائى، وإنما بدور المؤسسة القضائية ذاتها واستقلاليتها.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع