توقيت القاهرة المحلي 06:05:07 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حين يكون «عمى الألوان» عنصرياً

  مصر اليوم -

حين يكون «عمى الألوان» عنصرياً

بقلم - منار الشوربجي

العنصرية مرض عالمي عضال، لم تشفَ منه البشرية عبر العصور المختلفة، وهو مرض يطل برأسه القبيح عبر عشرات الصور، بعضها علني وصريح، وبعضها الآخر ضمني ومستتر. والعنصرية المستترة ليست أخف وطأة في تأثيرها المدمر على حياة ضحاياها.

 

ومن بين أشكال العنصرية التي تتدثر بعباءات تبدو بريئة تلك الحملة الشرسة التي يشنها اليمين الأمريكي ضد البرامج التي تشجع التعددية والمساواة، وهي مجموعة من البرامج والمبادرات التي تساعد المؤسسات المختلفة، عامة وخاصة، على التعامل الكفء مع كل أشكال التمييز فيها، فهي تقدم صوراً مختلفة من الدعم لكل مؤسسة وفق احتياجاتها، كإعداد الدورات التدريبية للعاملين أو مساعدة المؤسسات التعليمية في إيجاد المادة العلمية الموثوقة أكاديمياً، التي تساعد الأساتذة والطلاب على مجابهة أشكال التمييز الصريحة والمستترة.

ورغم أن تلك البرامج موجودة منذ سنوات طويلة دون أن تثير جدلاً يذكر، فإن الصعود المتزايد لليمين وفوزه بالأغلبية في المجالس التشريعية للولايات ووصوله لمنصب حاكم الولاية في عدد منها كان وراء استهداف تلك البرامج.

وفي الولايات التي يهيمن الجمهوريون على المؤسسات التشريعية والتنفيذية فيها، كتكساس وفلوريدا وألاباما ويوتا، بدأت فعلاً عملية تفكيك تلك البرامج، ففي فلوريدا مثلاً، أدار حاكم الولاية، رون دي سانتس، حملة شرسة فرضت قيوداً هائلة على تدريس ما اعتبره مواد «تثير الانقسامات» بين طلاب المدارس والجامعات، بل استهدفت الحملة عشرات الكتب ليس فقط التي تتناول التاريخ الأمريكي، وإنما شملت روايات لكبار الأدباء، كانت على رأسهم أديبة نوبل السوداء توني موريسون.

وقد قام عدد من الولايات بالموافقة على قوانين حظرت البرامج التدريبية، بل وألغت مناصب في الولايات كان من يشغلها مسؤولاً عن دعم برامج المساواة والتعددية. وتوجد عدة ولايات أخرى تنظر جدياً في اتباع خطى الولايات الأربع بخصوص تلك البرامج.

الأخطر من ذلك أن من يستهدفون تلك البرامج يستهدفون أيضاً الأقليات ممن يشغلون المناصب المختلفة باعتبارهم نتاجاً لتلك البرامج، أي وصلوا لمناصبهم بفضلها لا بسبب كفاءتهم، وهو ما زعموه، بالمناسبة، عن كلودين جيي، أول رئيسة سوداء لجامعة هارفارد قبل طردها من منصبها. ويتخفى الذين يستهدفون تلك البرامج وراء عبارات «إيجابية»، في جوهرها فكرة روجوا لها بقوة منذ تولى باراك أوباما الرئاسة.

والفكرة، التي صارت اليوم «نظرية» تزعم أن الولايات المتحدة قد تخطت إرث العنصرية التي لم تعد مؤثرة. وعليه، فالمنهج الأفضل اتباعه هو مجتمع لا يرى لون الجلد فيما صار يعرف بمجتمع يتميز بـ«عمى الألوان».

وتقوم نظرية «عمى الألوان»، باختصار، على أسطورة مؤداها أن المسألة العرقية في انحسار منتظم بأمريكا، منذ حركة الحقوق المدنية، حتى إنها صارت لا تذكر بدليل انتخاب أول رئيس أسود للبلاد، وهو ما يعني أنه لم يعد هناك دور للعنصرية ولا للمسألة العرقية.

ومن هنا، يفسر البيض، مخترعو النظرية، عدم التساوي الواضح بين مقدرات السود والبيض بأنه نتاج مجموعة عوامل ليس من بينها العنصرية، مثل الثقافة الخاصة بالسود التي تعوق النجاح، بل ويتهمون السود بالكسل، ويؤكدون أن بإمكانهم النجاح مثلهم مثل غيرهم دون أية عوائق تتعلق بالمسألة العرقية لو عملوا بجد واجتهاد.

والحقيقة أن تلك النظرية تعتبر العنصرية شيئاً ثابتاً، لا يتغير بتغير الزمن والسياق الاجتماعي والسياسي، وتعتبرها نابعة عن أحداث فردية ليست من مسؤولية المؤسسات العامة مواجهتها. بعبارة أخرى، تتجاهل النظرية العنصرية المؤسسية، أي الأعراف والقواعد والهياكل، التي تعيد إنتاج الأنماط العنصرية ذاتها، دون أي تدخل من الأفراد. وتلك العنصرية المؤسسية هي التي تحتاج للتدريب على اكتشافها وعلاجها، وهو بالضبط ما تفعله برامج «التعددية والمساواة» التي يستهدفها تيار اليمين في الولايات.

أكثر من ذلك، أجريت مؤخراً دراسة استخدمت الاستبانات للوقوف على توجهات الرأي العام بخصوص تلك البرامج، فتبين أن 75% من الأمريكيين يؤيدونها ويريدون مزيداً من برامجها التدريبية، خصوصاً لضباط الشرطة والأطباء والمدرسين، بل يريد 65 % منهم دورات تدريبية للعاملين بالقطاع الخاص.

بعبارة أخرى، لا تزال هناك حاجة ماسة، تلمسها أغلبية الأمريكيين، لمجابهة العنصرية، بل اتضح أن تلك الأغلبية لا توافق على حكاية «عمى الألوان» ولا تصدقها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حين يكون «عمى الألوان» عنصرياً حين يكون «عمى الألوان» عنصرياً



GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

إطلالات عملية ومريحة للنجمات في مهرجان الجونة أبرزها ليسرا وهند صبري

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 18:09 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه
  مصر اليوم - بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه

GMT 08:32 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريس "قلق جدا" لوجود قوات كورية شمالية في روسيا
  مصر اليوم - غوتيريس قلق جدا لوجود قوات كورية شمالية في روسيا

GMT 05:30 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يطالب بتطبيق القرار 1701 بحرفيته دون إضافات أو تفسيرات
  مصر اليوم - لبنان يطالب بتطبيق القرار 1701 بحرفيته دون إضافات أو تفسيرات

GMT 17:24 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة حديثة تكشف صلة محتملة بين الاكتئاب وارتفاع حرارة الجسم
  مصر اليوم - دراسة حديثة تكشف صلة محتملة بين الاكتئاب وارتفاع حرارة الجسم

GMT 04:39 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

جيش منظم على الإنترنت ضد "تزوير الانتخابات" يدعمه إيلون ماسك
  مصر اليوم - جيش منظم على الإنترنت ضد تزوير الانتخابات يدعمه إيلون ماسك

GMT 09:38 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الحوت

GMT 00:05 2023 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الأهلي يستقر على التجديد لعمرو السولية

GMT 07:13 2021 الثلاثاء ,20 تموز / يوليو

جزء ثانٍ من فيلم «موسى» في صيف 2022 قيد الدراسة

GMT 13:06 2021 الثلاثاء ,08 حزيران / يونيو

أنشيلوتي يحسم موققه من ضم محمد صلاح إلى ريال مدريد

GMT 09:11 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الحمل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon