بقلم - عاصم حنفي
وحسنى مبارك هو المسئول الأول عن حالة الخواء والفراغ السياسى الذى تعيشه البلاد.. بإفساده للحياة الحزبية فى مصر.. وانظر حولك لن تجد مرشحا عليه القيمة لخوض الانتخابات الرئاسية لمنافسة المرشح الأوحد عبدالفتاح السيسى..!
فى عهد مبارك عانت الأحزاب القديمة من الضربات الأمنية المتلاحقة.. وحصارها داخل مقارها الضيقة.. فانعزلت وعجزت عن الالتحام بالجماهير.
ليس الحصار وحده.. وقد فقدت الأحزاب التقليدية القدرة والرغبة فى النزول للناس فى الشوارع.. وانشغلت بتعيين قيادتها فى مجلس الشورى.. والحصول على تصاريح الأسمنت والحديد والفرن البلدى وتأشيرات الحج المبرور والذنب المغفور وشقق الأوقاف للمحاسيب والأقارب بأسعار رمزية..!
اشتغلت قيادات الأحزاب لدى الأمن شخصيًا.. نظير غض البصر عن مخالفاتها الصارخة.. فصار اتفاقا بأن تلعب دور الحزب السياسى.. دون أن تمارس السياسة بحق وحقيقى.. وهى ليست مصادفة أن جميع الأحزاب السياسية رفضت المشاركة فى انتفاضة 25 يناير.. حتى تحققت الثورة.. فخرجت نفس الأحزاب تعلن التأييد والمباركة عسى أن تلحق بالركب الهادر بالميدان.. وهو ما أدى بعد ذلك إلى ركوب الإخوان المسلمين على حركة الجماهير الثائرة..!
وحتى بعد ثورة يناير.. والتى هى ثورة بكل المقاييس.. انقسمت جماعات الثوار إلى شلل وجماعات وتيارات وائتلافات وحركات متنافرة متخاصمة.. بالإضافة إلى الحصار الأمنى.. فغابت جميع الأحزاب الجديدة بفعل فاعل..!
وأستطيع القول بضمير مستريح.. إن جميع القوى السياسية.. التقليدية والثورية.. قد سقطت تمامًا.. وقد أصابها الترهل وتصلب الشرايين ومرض الغفلة والعياذ بالله.. فصارت كلها مجرد ديكور فى خلفية الصورة.. وفقط من باب سد الخانة.. وقد فقدت القدرة على التواصل مع الجماهير..!
وأين يا ترى حمدين صباحى.. وقد كان مؤهلا لخوض معركة الانتخابات.. وله خبرة لا بأس بها.. أخشى أن يكون قد انتقل من خانة الثوار إلى قوائم المعاش المبكر..!
وهل لاحظت أسماء بعض من يطرحون أنفسهم كمرشحين محتملين.. وهل صدقت أنهم جادون فى ذلك.. إنها مجرد خطوة لإزالة الصدأ عن الاسم الذى لا تعرف له أصلا.. وبعضهم لم تسمع به أبدا.. لم يشارك فى ندوة.. لم يمش فى مظاهرة.. لم يحضر مؤتمرا جماهيريا.. هو موسم الدعاية المجانية إذن.. والصحف تسعى إليهم من باب سد الخانة..!
زمان.. وفى بداية التجربة الحزبية «الجديدة» فى منتصف السبعينيات.. وبعد سنوات من تأميم العمل الحزبى.. ظهرت أحزاب التجمع والعمل والوفد والناصرى.. أحزاب طازجة جادة فى بداياتها.. تقاوم سياسة فرض الأمر الواقع وتحارب التطبيع مع العدو الصهيونى.. وتقدم للحياة السياسية نوابا معتبرين يقودون حركة المعارضة فى الشارع السياسى.. ولكن بتولى حسنى مبارك للحكم.. ظهرت أحزاب جديدة من عينة التكامل والتكافل والمستقبل والخضر والبمبى المسخسخ.. والمثير يا أخى أن الدولة رحبت بها وكالت الامتيازات بالكوم لهذه الأحزاب.. بحجة أنها تساعدها على المعارضة.. مع أنها أحزاب لم تهش ولم تنش.. وكان الهدف هو زغللة عيون باقى الأحزاب.. وجرها نحو مد يدها لطلب الدعم الحكومى الذى كان عيبا ومرفوضا.. ثم إنه - أى الدعم - يفسد التجربة الديمقراطية من الأساس.. وهذه جريمة يحاسب عليها مبارك.. جريمة إفساد الحياة الحزبية والسياسية فى مصر.. ولكن من يحاسب ومن يتقصى.. وقد انشغل الحكم بمحاكمات جنائية.. وابتعد عن المحاكمات السياسية..!
وهل تذكر أول انتخابات رئاسية بعد ثورة يناير.. وقد انحصرت المنافسة فى آخر الأمر بين شفيق ومرسى.. أو بين السيئ والأسوأ..؟! إنها نتيجة مباشرة لما تم إفساده من عناصر النخبة وقادة الأحزاب التى لم تقدر على الصمود فى معركة الانتخابات..!
بصريح العبارة.. إننى أخشى من اكتساح السيسى للانتخابات.. لأن الفوز الكاسح يعنى غياب المعارضة والرأى الآخر.. ويعنى أنك تنفرد بإصدار القرار السياسى والاقتصادى.. دون أن يحاسبك تيار سياسى آخر.
وأخشى أن الجماهير لن تشارك فى الانتخابات الرئاسية.. لإحساسها أن السيسى فائز طبعا.. فلماذا البهدلة ووجع القلب وخوض معركة أنت تعرف نتيجتها مقدما؟
نقلا عن مجله روزاليوسف القاهريه