بقلم : عاصم حنفي
أجمل ما فى ثورة يناير أنها أزاحت مبارك عن الحكم بعد 30 سنة مؤبد فى حكم مصر.. والواجب إذن أن نحتفل بمرور سبع سنوات على سقوط الديكتاتور الناعم الذى لم يحاكَم أبدا.. وقد اكتفت الدولة لمحاكمته جنائيا ولم تحاكمه سياسيا مع أنها كانت ثورة.. والثورات تقتضى استدعاء القوانين الاستثنائية فى محاكمة رموز الفساد والإفساد.
محاكمة مبارك تعنى بالضرورة محاكمة أولاده ورموز حكمه.. ومحاكمة الإعلام الذى مهد له الطريق للبقاء فى الحكم دون وجه حق.
وسكة أولاد مبارك كلها مسالك.. هم سبب الفساد والخراب.. وفى معظم دول العالم غير الديمقراطية يتصور أولاد الرئيس أن لهم حصانة فوق حصانة الوالد.. فيمدون أيديهم غالبا إلى المال العام والخاص.. والخيبة أنهم ينغمسون فى شغل السياسة مع البيزنس.. يتحالفون مع الفاسدين من رجال الأعمال.. فينجبون لنا الوزراء على المقاس.. ينفذون طموحاتهم غير المشروعة.. وخذ عندك أحمد عز وإبراهيم سليمان وزكريا عزمى ويوسف بطرس غالى.. ومن قبلهم يوسف والى وكمال الشاذلى وعاطف عبيد.. والقائمة الطويلة من رجال الحكم الذين استحلوا الحرام متحصنين وراء الأنجال.
مبارك الحاصل على درجة الدكتوراه فى العند وإهمال قوى المعارضة كان عجوزا يفضل التعامل مع العواجيز الذين سيطروا على جميع المواقع القيادية فى جميع القطاعات.. وقد صارت مصر الدولة الوحيدة فى العالم التى يحكمها جيل الأجداد وقد ابتعدت أجيال الأبناء والأحفاد.. لتفسح الطريق لأهل الخبرة من العواجيز غالبا والنتيجة أن حياتنا السياسية والاقتصادية قد أصيبت بالشلل والركود، وتصلب الشرايين وهو المرض الذى نعانى منه الآن بفضل تربعهم على الكراسى لا يغادرونها أبدا.. وقد تجاوز بعضهم السن الافتراضية.. دون أن يحتل جيل الأبناء والأحفاد موقعا واحدا يوحد الله.. وقد خلت الأحزاب السياسية من القيادات النشطة بفعل عوامل الفساد والإفساد.. وعندما تصدى الأولاد لأمور الحكم استعانوا بأجيال شابة تتسم بالفساد ربما كانوا أكثر فسادا من جيل العواجيز.
الخيبة الثقيلة هى أن المناخ الفاسد قد أفرز فصيلا من الإعلاميين يتلونون طبقا لاتجاه الريح.. تقرأ له بالأمس المقالات العصماء عن الاشتراكية الثورية، فتجده فى اليوم التالى إسلاميا متشددا.. تتعامل معه طوال حياته على أنه ناصرى متعصب.. فتكتشف فى ساعة زمن أنه صار مباركيا فلوليا.. وقد ضبطوا بوصلاتهم على مزاج الرئيس وتوجهاته وتوجيهاته.. فإذا قال يمين هللوا وصفقوا.. وإذا قال شمال رقصوا وتحنجلوا.. ولا تستطيع إصلاح أحوالهم أبدا.
أكبر دليل على الإفساد المباركى لرموز النخبة السياسية.. هو ما حدث فى خلال حكم الإخوان.. وقد تحالفت معهم النخبة.. وفى انتخابات مجلس الشعب حينئذ هرول الناصريون بالجملة للانضمام لقوائم الإخوان.. وهم الإخوان الذين عاش عبدالناصر حياته كلها يحاربهم ويكشف أوكارهم.. وعندما تولى حضرة الناصرى المتشدد موقع الوزارة.. مارس الفساد والتربح.. كما يمارسه أعتى الفاسدين فى جميع عهود الحكم!!.
سوف نحتفل إذن بذكرى 11 فبراير.. ذكرى سقوط مبارك وخلعه عن الحكم بعد ثلاثين سنة كاملة.. احتال فيها وعدل دستور البلاد ليظل فى موقعه الأثير.. والغريب يا أخى أنه لم يحاكم سياسيا.. وقد اكتفى المجلس العسكرى بمحاكمته جنائيا عن تهم يسهل التهرب منها بفضل فريق المحامين المحترف.
الخيبة يا أخى أنه لم يقف فى المحكمة على قدميه كما يليق بالمتهمين المحترمين.. وإنما دخل المحكمة على سرير طبى.. رفض الكرسى المتحرك.. رفض الدفاع عن نفسه.. وقد تصور أن مثوله أمام المحكمة فى الوضع النائم سوف يستدر عطف المحكمة وجمهور المتابعين.. فأين كرامتك يا أستاذ.. أين الصلف والغرور.. أين الدكتوراه فى العند.. وقد ارتضيت أن تواجه المحكمة ذليلا مكسورا.. وليس كرئيس دولة حكمها 30 سنة مؤبد.. حتى أسقطتك ثورة يناير العظيمة التى يتنصل منها البعض لأسباب يطول شرحها.
نقلا عن روزاليوسف القاهريه