بقلم : محمد صلاح
يسأل بعض المصريين أنفسهم على خلفية الذكرى الخامسة للثورة على حكم الإخوان المسلمين: هل كان ضرورياً أن يحكم الإخوان حتى يكتشف الناس حقيقتهم؟ كيف نال الإخوان تعاطفاً كبيراً على مدى عقود سرعان ما انهار بعدما حكموا البلاد؟ هل كان السبب قلة خبرتهم السياسية أم رغبتهم في "أخونة" الدولة، أم سعيهم إلى القضاء على معارضيهم؟ لماذا لم يعتمد الإخوان سياسة النفس الطويل لأخونة الدولة وسارعوا باتخاذ قرارات واعتماد سياسات أدت في النهاية إلى المصير المذري الذي آلت إليه الجماعة؟
كانت حسابات قادة الإخوان ورموز التنظيم الدولي للجماعة، أثناء الأسابيع الأخيرة من حكم مرسي لمصر خاطئة، بل كارثية، بالنسبة للجماعة، أو قل مبهرة، وإيجابية بالنسبة لمصر، إذ لم يدركوا وقتها الحجم الحقيقي للغضب الشعبي تجاه الطريقة التي أديرت بها البلاد طوال سنة كاملة، واعتقدوا أن حضورهم في الشارع كفيل بأن يخفي أعداد المعترضين الغاضبين. وتصوروا أن الجيش سيتخلى عن الشعب ولن يستجيب للمطالب بإنقاذ البلاد من حكم الجماعة، وحتى الشكوك داخلهم من احتمال أن ينضم الجيش للإرادة الشعبية تبددت بفعل وهم مساندة قوى إقليمية ودولية لهم. وعندما تصاعدت التظاهرات في كل المدن المصرية تطالب بعزل مرسي وإنهاء حكم مصر من مقر مكتب الإرشاد في ضاحية المقطم، واعتصم بعض المصريين أمام المقر، وكذلك في شارع الميرغني في ضاحية مصر الجديدة في مواجهة "قصر الاتحادية"، توهم الإخوان أن الاعتداء على المعتصمين أو حتى قتلهم، كفيل بأن يرعب الباقين وأن يظهر بأس التنظيم وقدرته على السيطرة على البلد!!، وأن بقية المعتصمين في ميدان التحرير في القاهرة أو ميادين المحافظات الأخرى سينفضّون وسيخشون على حياتهم ويستسلمون للأمر الواقع، فتخضع الأحزاب والقوى السياسية الأخرى التي كانت أعلنت التمرد على حكم الإخوان، فلا يجد الجيش ومعه الشرطة إلا الانضمام إلى "الرئيس" مرسي، وينتهي الأمر وتعبر الجماعة الأزمة وتستمر في الحكم 500 عام وفقاً لما قاله نائب المرشد وقتها خيرت الشاطر!!
المهم أن الإخوان، لحسن حظ المصريين، لم يتداركوا الخطأ، بل وقعوا في مستنقع أخطاء، وحتى بعد سقوط ضحايا ووقوع جرحى جراء هجوم أعضاء التنظيم على المعتصمين وارتفاع حدة الغضب الشعبي، لم يفهموا مغزى بيان الجيش الذي صدر في الأول من تموز (يوليو) 2013 وأمهل القوى السياسية بما فيها الإخوان 48 ساعة "لتحمل أعباء الظرف التاريخي"، محذراً من أن "في حال لم تتحقق مطالب الشعب خلال تلك المدة، فإن القوات المسلحة ستعلن عن خريطة مستقبل وإجراءات تشرف على تنفيذها"، إذ رد ما يسمى بـ "التحالف الوطني لدعم الشرعية" الذي يضم الإخوان وجماعات متأسلمة أخرى ببيان عكس حجم الفجوة بين الواقع على الأرض وحقائق الأمور في البلاد، وبين ما يدور في عقول الإخوان وعزمهم على هدم الدولة على من فيها حال خلع مرسي عن المقعد الرئاسي، إذ رفض البيان ما أسماه "الانقضاض على الشرعية والانقلاب على الإرادة الشعبية". ولأنه لم يكن هناك فارق وقتها بين جماعة الإخوان وبين مؤسسة الرئاسة، فإن الأخيرة أصدرت بياناً بدا وكأنه كُتب بواسطة مكتب الإرشاد، رأى أن عبارات في بيان الجيش "تحمل دلالات يمكن أن تتسبب في حدوث إرباك للمشهد الوطني المرتبك"!!، وقبل أن تنتهى مهلة الجيش يوم 3 تموز (يوليو) 2013، كانت الجماهير في الميادين تتمنى إلا يستجب قادة الإخوان للتحذير، وأن يستمروا على عنادهم وأن يرفضوا مطالب الشعب فتحقق للناس ما أرادوا، فكان البيان الأخير الذي أُعلن فيه عن إنهاء حكم محمد مرسي لمصر وتولي رئيس المحكمة الدستورية العليا وقتها المستشار عدلي منصور إدارة أمور البلاد. حدث ما حدث بعدها وتواصلت الحسابات الخاطئة وسعى الإخوان إلى استثمار اعتصامهم في ميداني "رابعة العدوية" شرق العاصمة و "النهضة" في غربها، للإيحاء للقوى الإقليمية والدولية التي تساندهم بأن الأمل ما زال قائماً في عودتهم للحكم، لكن الإرادة الشعبية المصرية وتماسك الدولة بعد رحيل الإخوان عن حكمها، إضافة إلى جهود دول أرادت الخير لمصر وللمصريين كالمملكة العربية السعودية والإمارات والأردن، مكنت مصر من تحمل الضغوط وعبور النفق المظلم وأطاحت بحلم التمكين وسببت محنة لدول كتركيا وقطر وإيران عولت على الإخوان ورأت في حكم الجماعة لمصر بداية تغييرات في منطقة الشرق الأوسط تمنحها أدواراً إقليمية ظلت تخطط من أجلها، فكانت حسابات الإخوان الخاطئة في النهاية في المصريين وحققت نتائج مبهرة لمصر... والعالم.
نقلًا عن الحياة اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع