بقلم : محمد صلاح
أن يقوم رجال الأمن في أي مكان في العالم بخلع ملابس إرهابي أو مجرم بعد توقيفه مباشرة أمر طبيعي، إذ يكون الغرض التأكد من عدم إخفائه أسلحة أو متفجرات أو مواد كيماوية تحت ملابسه أو حول جسده، لكن أن يصر الأهالي على خلع ملابس كل إرهابي فشل في تنفيذ عملية إرهابية، أو بعد قيامه بها وتصويره و»تجريسه»، فيظل مشهداً مصرياً خالصاً، خصوصاً بعد ثورة الشعب المصري ضد حكم «الجماعة» وعزل محمد مرسي، والجرائم التي ارتكبتها عناصر «الإخوان» ضد مؤسسات الدولة وفئات الشعب. إنه العقاب الجماعي الشعبي بفضح الإرهابي والانتقام منه وإذلاله وإظهار ضعفه أمام الناس، وهو الذي خرج من بيته أو مكمنه وتوجه إلى حيث يقتل الناس غدراً وينشر الخراب والدماء. دعك هنا من الحملة التي يتبناها «الإخوان» وبعض النشطاء للتنديد بالمشهد واعتباره غير حضاري، أو يعكس سلوكاً مخالفاً لحقوق المتهم، أو تدخلاً في عمل جهة الأمن والشرطة، فـ «الإخوان» أنفسهم يعايرون الحكم بفشله في القضاء على الإرهاب كلما وقع حادث إرهابي، وهم أيضاً لا يخفون رغبتهم في التنكيل بالشعب المصري إذا تمكنوا من العودة مجدداً إلى الحكم، لكن، لاحظ دائماً أن الواقعة لا تحدث إذا جرى القبض على الجاني في منزله أو بعد معركة أو مواجهة مع الشرطة، وإنما هي دائماً تحدث في الشارع ووسط الناس وبعد أن يمسك أحد الأهالي، أو بعضهم، بالإرهابي أثناء محاولته الفرار. يدرك المصريون بالطبع أن الإعدام سيكون مصير المجرم، لكنهم أيضاً يعلمون أن إجراءات التقاضي في مصر مملة وتستغرق وقتاً طويلاً، وأن الإرهابي سيجد دعماً من منصات إعلامية إخوانية، وستخرج قنوات تنفق عليها قطر لتسرد تاريخه الناصع وأخلاقه الرفيعة وتفوقه العلمي، ثم تتحدث هاتفياً إلى أمه أو أخته أو أحد من أفراد أسرته ليحكي عن ظلم الدولة وقهر السيسي وطيبة وسماحة الشاب الذي تحاربه الدولة لأنه يصلي، أو لكونه لم يساند السيسي!
إذاً، لم يكن المشهد قرب السفارة الأميركية في القاهرة يوم الثلثاء الماضي جديداً أو غريباً، فالمشاهد المصورة أظهرت أن الأهالي هجموا على المتهم بعدما انفجرت الحقيبة التي يحملها خلف ظهره، وأصروا على أن يخلع ملابسه بدعوى التأكد من عدم حمله حزاماً ناسفاً، وهم كانوا يحيطون به من كل جانب، فخلعها طواعية وهو يرى في عيون الناس حجم الكراهية له ولأمثاله من المتطرفين. إنه سلوك تلقائي غير مرتب يعكس مكانة الدولة في عقول المصريين وحجم الكراهية للإرهاب والجماعات المتطرفة في قلوب البسطاء الذين قد يعانون ظروفاً اقتصادية ويعيشون حياة صعبة لكنهم مصرون على ألا يعود «الإخوان» مجدداً إلى واجهة الصورة إلا في تلك الصورة!!
يفعل الناس ما يعتقدون أنه ضروري لفضح الإرهاب والإرهابيين و»تجريس» «الإخوان» وداعميهم، وإظهارهم على صورتهم الحقيقية بعدما ظلت قطاعات واسعة من الشعب تتعاطف معهم على مدى عقود، ثم ظهر أن طيبتهم مصطنعة وتدينهم صوري وهدفهم الوصول إلى السلطة، وحين وصلوا تنكروا حتى لمن دعمهم، وعندما سحبت منهم تحولوا إلى أشرار يتعاونون مع أي طرف يساعدهم على هدم الدولة المصرية على من فيها. المغزى أن البسطاء من أبناء الشعب المصري يتعمدون تعرية الإرهاب أمام الجميع، خصوصاً هؤلاء الذين يتعرضون للآلة الإعلامية لـ «لإخوان»، التي ما زالت تسعى إلى تبرير الإرهاب وتبييض وجه «الجماعة»، وخداع المصريين باتهام الحكم بتنفيذ العمليات الإرهابية تارة والزعم بعجزه عن مواجهة الإرهاب تارة أخرى.
بغض النظر عن انتماءات المتهم في حادث السفارة الأميركية، وطبيعة ما كان ينويه، لكنها لم تكن المرة الأولى التي يظهر فيها رد الفعل الشعبي العفوي أثناء حادث يتعلق بالإرهاب وبموقف المصريين من «الإخوان» والإرهاب وقطر وتركيا والقوى الإقليمية، ولن تكون الواقعة الأخيرة التي تنقذ فيها الشرطة الجاني من انتقام الأهالي وتنكيلهم به.
سخر المصريون حين علموا أن مرشد «الإخوان» محمد بديع ارتدى النقاب ليضلل الشرطة خشية القبض عليه أثناء محاولته الفرار من ميدان رابعة وقت فض اعتصام «الإخوان» هناك، ولم يحضر أحد من الأهالي مشهد خلع المرشد النقاب، إذ أوقفه رجال الأمن فخلعه في مكان الاحتجاز، لكنهم فعلوها مراراً مع أتباع بديع والبغدادي والظواهري... وسيفعلونها.
نقلا عن الحياة اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع