بقلم : محمد صلاح
خرجت الدولة المصرية من نفق الربيع العربي، وتتعافى الآن من أمراضه وجراحه، وطوى المصريون صفحة «الإخوان» وتجاوزوا مرحلة إرهاب الجماعة، ويتعاملون الآن مع مؤامراتها ومحاولاتها إعادة الفوضى وزرع الفتنة ونشر الأكاذيب، لكن الحكم في مصر أيضاً في محل اختبار، لا يمكن التعامل معه إلا بقوة القانون وصرامة تنفيذه، فما يحدث كل فترة في محافظة المنيا من اعتداءات على الأقباط لا يمكن أن يستمر في ظل دولة انتصرت على «الإخوان» وهزمت الإرهاب ونجت من أعاصير الربيع العربي.
إن المنيا التي هي مسقط رأس طه حسين ولويس عوض ونعمات أحمد فؤاد، تعد أكثر المحافظات معاناة من التوتر الطائفي في مصر. صحيح أن حدة التوترات تراجعت بصورة ملحوظة في الشهور الأخيرة، إثر إقرار قانون «بناء الكنائس» في أيلول (سبتمبر) العام 2016، ودخوله حيز التنفيذ في العام التالي، إلا أنها تتكرر بشكل ما زال لافتاً. وعادة ما تنشب النزاعات الطائفية في المحافظات إثر تدشين أهالي قرى من المسيحيين كنائس في منازل دون ترخيص وإقامة شعائرهم فيها، ما يثير حفيظة أهالي القرية من المسلمين. وآخر تلك التوترات ما حدث قبل أيام من صدامات طائفية في قرية «دمشاو هاشم» بسبب كنيسة دُشّنت دون ترخيص.
وكانت لجنة لتقنين بناء الكنائس شُكِّلت برئاسة رئيس الحكومة وفقاً للقانون المذكور قامت بمنح حق تراخيص رسمية لآلاف الكنائس المنتشرة في قرى مصر من دون تراخيص، بعد الوفاء باشتراطات معينة، علماً أن العرف جرى في ريف مصر على أن يُقيم المسيحيون شعائرهم الدينية في منازل يمتلكها أقباط من دون تحويلها رسمياً إلى كنيسة، وغالباً ما تثير تلك الوضعية مشكلات لو أراد الأقباط رفع صلبان على المبنى أو قصده مسيحيون من خارج القرية.
وحسب كتاب الإحصاء الصادر في العام 2016 عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن عدد سكان محافظة المنيا يتخطى 5 ملايين و 228 ألف مواطن، النسبة الكاسحة منهم تعيش في الريف، ونصف السكان تقريباً أميّون، ونسبة التعليم الجامعي لا تتخطى 5 في المائة، فضلاً عن أن المحافظة تضم عدداً من القرى الأكثر فقراً في مصر.
ولا يوجد إحصاء رسمي بعدد الأقباط في مصر، لكن تقديرات كنسية تشير إلى أن 30 في المئة من سكان المنيا من المسيحيين، يُشكلون أكبر تجمع من المسيحيين في مصر، بينهم أثرياء المحافظة، وإن كانت غالبيتهم، كبقية أهاليها، من الفقراء.
ظلت محافظة المنيا على مدى عقود أحد أهم روافد التيار الديني المتشدد الذي سيطر على زوايا ومساجد قراها وزرع بذور الفتنة فيها، وفيها تأسست جماعة «التكفير والهجرة» في المناطق الجبلية حول أبو قرقاص في العام 1971، وبمرور الزمن باتت أرضاً خصبة لنمو الأفكار المتشددة.
ويزيد من حدة التوتر أن غالبية قرى ونجوع المنيا لا توجد فيها كنائس، فضلاً عن بعد المسافة بين سكان قرى عدة من المسيحيين وأقرب كنيسة إليهم، لذا يضطرون إلى الصلاة في منزل أحد السكان في حضور قس. وهنا يلعب التيار المتشدد دوراً محورياً في نشر الفتاوى الطائفية بين السكان، حتى يصل الأمر إلى الصدام. يتبنى «الإخوان» الآن حملة للدفاع عن أقباط المنيا، بينما لم ينس المصريون بعدُ مشاهد هجمات عناصر الجماعة على الكنائس بعد ثورة الشعب المصري ضد حكم محمد مرسي، عندما حشد «الإخوان» أنفسهم في مواجهة أكثر من 80 كنيسة وكان لمحافظة المنيا النصيب الأكبر من الهجمات بهدف إثارة الفتنة ونشر الفوضى والخراب في البلاد وتحريض الغرب لحماية المسيحيين في مصر، وفي الوقت ذاته الإيحاء لـ «الإخوان» والمتعاطفين معهم بأن الجيش يساند الأقباط على حساب المسلمين!!
عموما، آن الأوان لأن يضع الحكم في مصر حداً لتصرفات وسلوكيات تخرق القانون، تحدث في المنيا غالباً وفي محافظات أخرى أحياناً، تفسد المناخ العام وتهدد السلم الأهلي وتستغل «الإخوان» وغيرهم من القوى والجهات الكارهة مصر لفرملة التطورات الإيجابية المتسارعة في البلاد. يحرص السيسي على حضور احتفالات أعياد المسيحيين، وكسرت الدولة تابوهات عتيقة، وأصبح هناك الوزير والمحافظ من الأقباط، ويترقب الناس قريباً الانتهاء من تدشين أكبر كنيسة كاتدرائية في العاصمة الإدارية الجديدة، لكن إيجابيات كتلك يختفي صداها خلف مأساة الأقباط في المنيا!
نقلا عن الحياة اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع