بقلم : محمد صلاح
يكاد لا يمر شهر، دون أن يطل الإعلام في مصر إلى واجهة الأحداث، إما لتسببه في أزمة أو تعرضه لمشكلة، أو نتيجة لجدل حول توقيف صحافي أو إعلامي، أو قيام صحيفة أو برنامج بارتكاب خطأ يغضب المشاهدين أو حتى السلطة. الكلام هنا لا يشمل بالطبع المنصات الإعلامية القطرية، أو القنوات التي تُبث من الدوحة وإسطنبول ولندن، أو الصحف التي جرى سرطنتها بعناصر من الإخوان، أو الإعلام الغربي الذي اشترت الدوحة مساحات من صفحاته، أو ساعات بثه، وكلها موجهة نحو مصر بقذائف لا تهدأ أو تتوقف، فمواقف ذلك الإعلام من مصر معروفة، والناس يدركون أن الحملات مدفوعة الأجر، ورد فعل من جانب الجهات الداعمة للإخوان على ثورة الشعب المصري ضد حكم الجماعة، وضياع حلم التمكين.
ولا يمكن الحديث عن أوضاع الإعلام المصري دون النظر إلى كوارث الربيع العربي وإفرازاته، إضافة إلى تخريب المجتمعات وإسقاط الدول وسيادة الفوضى وجحافل اللاجئين وخيام المأوى، أصابت الشظايا مهنة الإعلام في الصميم، ليس فقط لأن الأذرع الإعلامية آلية مهمة للحرب اللا متماثلة، أو لأن صحفاً وقنوات ومواقع إلكترونية تحولت إلى أسلحة في أيدي وعقول محركي ذلك الربيع المدمر وصانعيه، ولكن لأن إعلاميين وصحافيين كُثر سعوا مع هبوب رياحه إلى النجاة بأنفسهم وغسل سمعتهم وتبرئة أنفسهم من تهمة دعم حكم مبارك، فركبوا موجة الثورة وقفزوا إلى سفينة رجال أعمال سعوا إلى تفادي الملاحقات القضائية وأسسوا معهم منابر إعلامية تحول فيها الإعلاميون إلى ناشطين يتكلمون أكثر مما يستمعون ويصدرون الأحكام بدلاً من جمع المعلومات وعرضها على الناس، وكانت مصر وقتها تعاني انفلاتاً أمنياً وارتباكاً سياسياً وانهياراً مجتمعياً، وسادت فيها البلطجة في الشارع والفوضى في الميادين، واختلط مفهوم الحرية بالفوضى، اعتقد الناشطون والثوريون، أن ثمن مواقفهم وحناجرهم الفولاذية الحصول على مميزات ومكافآت ومناصب وسلطة ونفوذ.
أفرز الربيع العربي أيضاً إعلاميين تصوروا أن آراءهم حقائق، وأن على الناس أن يصدقوهم بغض النظر عن تاريخهم أو مواقفهم السابقة، وتحولوا إلى ناشطين ونجوم وصناع للسياسة بفعل خوف الناس من النزول إلى الشوارع أو التواجد في الأماكن العامة وبقائهم غالباً في البيوت أمام الشاشات، لكن هؤلاء أرادوا تحقيق نصف المعادلة فقط: أن ينشطوا في الاستديوات دون الميادين والشوارع وأن يحصلوا على المكافآت والرواتب، دون أن يدفعوا ثمن مواقف سياسية يفترض أن يكون التعبير عنها في الشوارع أو الميادين وليس أمام المصابيح والكاميرات!
تواجه مصر، وعلى مدى السنوات الخمس الأخيرة، هجمات لا تتوقف من الإعلام الإخواني واللجان الإلكترونية للجماعة وقنوات الدوحة ولندن وإسطنبول وصحف تصدر في الشرق والغرب تحوي أكاذيب وفبركات ومزاعم وادعاءات، لكن المواطن المصري فطن للعبة ولم تعد تنطلي عليه الحبكة، إلا أن مصر تدفع ثمن أخطاء إعلاميين محسوبين على الدولة أو قل على الحكم! فجانب كبير من المواد التي يحررها أو يبثها الإعلام الإخواني، بمختلف صوره ووسائطه، تعتمد على ما تبثه قنوات مصرية أو تنشره صحف ومواقع إلكترونية تعمل من داخل مصر، فإذا كانت تلك المواد تعبر عن تأييد للحكم وتعكس حرصاً على دعم الدولة وترسيخ أركانها وكشف المؤامرات الإخوانية وألاعيب قطر وأطماع تركيا، فـ «اللعب» يكون على «تطبيل» الإعلام للسيسي، وإذا جرى اقتناص هجوم للإعلام المحلي ضد مشروع أو تصرف أو موقف أو قرار للسيسي أو الحكومة، ستجد الإخوان ومن يحترمونهم، يهللون بأن إعلام السيسي انقلب عليه! ويبشرون أعضاء الجماعة بأن «الانقلاب يترنح» وأن النظرية التي تقوم على أن مرسي سيعود إلى القصر الرئاسي «يوم الأحد المقبل» ستتحقق على أرض الواقع. أما إذا ارتكب مذيع أو مذيعة خطأً مهنياً فادحاً وتسبب في أزمة لمصر مع دولة أو جهة أو شخص فالحصيلة ستكون أكبر والصيد سيكون ثميناً وسيُجيّش الإخوان أنفسهم لاستغلال ذلك الخطأ للوقيعة بين مصر وأي دولة أخرى.
صدّق إعلاميون مصريون أنهم حركوا الناس ودفعوهم إلى الشوارع وحضوهم على إزاحة حكم مبارك، وأنهم بعدها كشفوا أخطاء الإخوان وشجعوا الجماهير على الاندفاع إلى الميادين والثورة على محمد مرسي وحكم الجماعة، ولم ينتبهوا الى أن المصريين كان لديهم دوافع للخروج ضد مبارك وبعدها ضد الإخوان، ولم يدركوا أن من بين تلك الدوافع في المرتين سلوك هؤلاء الإعلاميين أنفسهم!
نقلًا عن الحياة اللندية