بقلم : محمد صلاح
يحتل الجيش المصري مرتبة متقدمة في ترتيب الجيوش في العالم، وهذه مسألة يفتخر بها المصريون، وإن كانت تُغضب «الإخوان» والدول والجهات المتحالفة مع «الجماعة»، وعلى رغم عشرات الأفلام المفبركة التي عرضت على قنوات داعمة التنظيم لمحاولة الإساءة إلى الجيش المصري أو التأثير في ضباطه وجنوده، واصل الجيش حملته ضد الإرهابيين في سيناء وتمكن من خفض وتيرة عمليات الإرهاب هناك والحد من نشاط الإرهابيين في شبه الجزيرة، وفي الوقت ذاته حظي بإشادات دولية من دوريات مختصة في العلوم العسكرية، نتيجة التطوير الكبير في تسليحه وكفاءة العنصر العسكري في آن، بينما
يعتبر المصريون أن جيشهم حمل البلد على أكتافه، وعبر بها نفقاً مظلماً ونجا بها من مصير كان مهلكاً.
حتى أعداء مصر، وبينهم «الإخوان» في أنحاء العالم، يقرون بأن الجيش المصري تحمل العبء الأكبر للحفاظ على الدولة، بعد ضرب الربيع العربي المنطقة قبل أكثر من سبع سنوات، وعلى رغم الحملات التي شُنت والمؤامرات التي حِيكت والافتراءات التي أطلقت احتفظ الجيش بمكانته بين المصريين، ويأتي الصيف كل سنة مناسبةً يظهر فيها مدى ارتباط الشعب المصري بجيشه وتقديره لدوره التاريخي، إذ يحل موسم تخريج طلاب الكليات العسكرية التي زاد عددها واختصاصاتها في الأعوام الأخيرة، وتُجرى حفلات التخرج تباعاً في الأسبوع الأخير من شهر تموز (يوليو) كل سنة، ويصاحبها زخم شعبي زاد بدرجة كبيرة بعد إطاحة حكم «الإخوان» واستجابة الجيش للإرادة الشعبية.
وعلى الجانب الآخر في التوقيت ذاته، تسير اختبارات قبول دفعات جديدة في تلك الكليات والمعاهد العسكرية، التي على رغم قسوة مناخ التدريس بها وظروف العمل الصعبة والخطرة بعد التخرج تلقى إقبالاً مضطرداً من بين فئات الشعب المصري كافة، من دون أي اعتبار للدعايات السلبية لجماعة «الإخوان» التي سعت، بعد توليها الحكم عام 2012، إلى حجز «كوتا» لأعضاء الجماعة ضمن طلاب الكليات العسكرية، فواجهت اعتراضات ثم رفضاً من المجلس العسكري وقتذاك.
قبلت كلية الشرطة العام الماضي حوالى 1500 طالب فقط من بين أكثر من 42 ألف طالب اجتازوا اختباراتها، أما الكليات العسكرية التابعة للجيش فتقدم للالتحاق بها العام الماضي حوالى 100 ألف طالب، قدموا طلبات للانضمام إلى الكليات الحربية، البحرية، الجوية، الفنية العسكرية، الدفاع الجوي، المعهد الفني للقوات المسلحة، وطب القوات المسلحة، والأخيرة أسست حديثاً، اجتاز أكثر من 2700 منهم الاختبارات، علماً أن الراغبين في الالتحاق بتلك الكليات والمعاهد العسكرية يخضعون إلى فحوص دقيقة، تشمل اختبارات السمات الشخصية، المستوى الطبي، اختبارات رياضية، قياس القدرات النفسية للطالب، معلومات وثقافة عامة، ومقابلة شخصية يخضع من يجتازها لفحص طبي نهائي دقيق.
وعلى رغم استهداف جماعة «الإخوان» وحلفائها في الأعوام الأخيرة تلك الشريحة من الكليات بإشاعات هدفها الإساءة إلى المؤسسة العسكرية عموماً ومنع الإقبال على الالتحاق بالجيش خصوصاً، بالزعم أن الفوز بدخولها يخضع للمحسوبية والوساطة، إلا أن الثابت في مصر أن الكليات العسكرية تحرص على تمثيل كل فئات الشعب المصري، ومن كل المناطق، إذ يعج الريف المصري بأبناء فلاحين ينخرطون في الخدمة في القوات المسلحة كما في المدن من أبناء الطبقة الوسطى خصوصاً، ولاحظ المصريون أن جنازات الشهداء من ضحايا الإرهاب تتوزع بين محافظات مصر ومدنها وقراها وأن أسرهم يمثلون شرائح من فئات المجتمع.
قد لا تتوافر في مصر عناصر كثيرة للبهجة في بلد يعاني ضغوطاً اقتصادية ومشكلات حياتية وآثار فوضى وحكم لجماعة سعت إلى «أخونة» الدولة والرجوع بها سنوات إلى الخلف، لكن الشعب المصري يدرك أنه يسدد ثمن حفاظه على دولته موحدة، ونجاته من مصير مهلك بعدما ضرب الربيع العربي دولاً أخرى فقسمها وشتت شعوبها، وهم حريصون على تحويل مناسبة تخرج طلاب الكليات العسكرية إلى موسم للبهجة والاحتفاء بالشهداء، بينما يزداد ألم «الإخوان» وداعميهم في هذا التوقيت من كل سنة، ثم يشرعون في مواصلة نشاطهم المحموم الذي لا ينتج إلا مزيداً من البهجة للشعب المصري والألم لجموع «الإخوان».
نقلًا عن الحياة اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع