بقلم : محمد صلاح
هل يعتقد أي عاقل، أن تقريراً لمنظمة «هيومن رايتس ووتش» سيجعل الدولة المصرية ترتعد وتخشى تأثيرات التقرير وتداعياته وردود الفعل حوله، ما يدفعها إلى تغيير سياستها وخططها واستراتيجيتها في مواجهة الإرهاب، أو طريقة التعاطي مع جماعة الإخوان المسلمين ليرضى عنها أصحاب التقرير والقائمون على المنظمة؟ الإجابة بكل تأكيد هي: لا، ليس لأن الحكم في مصر متعنت أو يضرب عرض الحائط بتقارير المنظمات الحقوقية عموماً وهيومن رايتس ووتش خصوصاً، أو لأن تقارير تلك المنظمات تعتمد على شهادات مزورة وأقوال مرسلة أو معلومات تمدها بها جماعة الإخوان المسلمين أو شخصيات أخرى طالتها شبهة ممارسة أو دعم الإرهاب، ولكن ببساطة لأن الدولة المصرية تخطت المرحلة التي كانت تعمل فيها حساباً لتقارير حقوقية، أو مقالات صحافية أو بيانات تصدر عن مؤتمرات وندوات تنفق عليها دول بعينها وتنظمها جهات محددة ويحضرها أشخاص معروفون بعدائهم للدولة المصرية أياً كان الحكم الذي يحكمها.
لا تختلف صياغة التقرير الأخير لهيومن رايتس ووتش حول الأوضاع في سيناء، عن ما تلوكه وتروج له الآلة الإعلامية للإخوان المسلمين والمنصات التي تنفق عليها قطر والقنوات التي تُبث من الدوحة ولندن وإسطنبول، ولا فرق حتى في المفردات وطريقة العرض والمطالب، ناهيك عن المعلومات، إذ يكاد يشبه تقارير أخرى أصدرتها المنظمة نفسها أو منظمات غربية أخرى عند محاكمة قادة الإخوان، أو توقيف أعضاء في الجناح العسكري للتنظيم المعروف إعلامياً باسم «حركة حسم»، أو أثناء مداهمات الشرطة لأوكار الإرهابيين والتكفيريين من عناصر «داعش» أو محافظات مصرية أخرى، فصار نشاط المنظمات الحقوقية الغربية مرادفاً لأنشطة جماعات وتنظيمات سياسية تتحكم فيها دول وقوى إقليمية، لتحقيق أهداف سياسية بعيداً عن الإنسانية. واللافت هنا أن التقرير الأخير صدر بالتزامن مع حملة يتبناها إعلام الإخوان وتروج لها اللجان الإلكترونية الإخوانية، وأنفقت أموالاً طائلة من أجل تجهيز برامج ومواد تلفزيونية، ليس بالطبع للتحذير من خطر الإرهاب في سيناء، والتذكير بما فعله الإخوان أثناء السنة التي حكموا فيها مصر، وتحويلهم شبه الجزيرة المصرية إلى مأوى للإرهابيين الفارين من كل مكان في العالم، أو إعلام الناس بتفاصيل الحملة التي يشنها الجيش والشرطة المصرية لتصفية الإرهابيين هناك وحماية الناس من العمليات الإرهابية، ولكن للزعم بأن تلك المساحة من الأراضي المصرية تتعرض لحصار من الجيش المصري!! وأن الهدف من وراء الحملة على الإرهاب ليس لتنظيف سيناء من الإرهابيين، وإنما عقاب أهالي شبه الجزيرة!! ورغم أن العملية بدأت قبل ثلاثة شهور وقاربت على الانتهاء تمهيداً لتنفيذ خطة الدولة لإعادة إعمار سيناء وتنفيذ خطة طموحة لتنميتها، إلا أن التقرير ادعى تعرض الأهالي للأذى، وأسهب في الحديث عن غياب المواد التموينية، مطالباً السلطات المصرية السماح للمنظمات الإغاثية بالوصول إلى مدن سيناء المختلفة وتقديم العون إلى الأهالي!
إنها الصياغة نفسها التي يتبناها إعلام الإخوان والناشطون الذين تمتطيهم الجماعة منذ ثورة الشعب المصري ضد حكم الجماعة التي راهنت على تفشي الإرهاب في سيناءـ ووجدت الدولة المصرية تتعافى وتتجاوز مرحلة الإخوان وتنفذ خططاً تنموية طموحة لعلاج أمرض الاقتصاد التي عانتها مصر على مدى عقود، وفي الوقت نفسه تجهز على الإرهابيين في سيناء وتصفيهم ليفقد الإخوان وكل الجهات الداعمة لهم أو تحرمهم من الورقة الأخيرة التي كانت في حوزتهم. يتذكر المصريون فيلماً تلفزيونياً جرى بثه قبل شهور، وتضمن مشاهد ملفقة ومعلومات مفبركة عن عمليات الجيش المصري في سيناء ويسخرون من أفعال كتلك، ويعتبرون أن المنتج واحد والجهة التي تنفق واحدة والهدف التي تسعى إليه المنظمات الحقوقية الغربية يتسق مع ما يحاول الإخوان إثباته. على ذلك لا ينتظر المصريون من المنظمات الحقوقية الغربية تقارير عن جرائم الإرهابيين في سيناء أو غيرها ولا عن العمليات الإرهابية لـ»حسم» أو «داعش» أو «لواء الثورة» أو أي من التنظيمات الإرهابية ذات الجذور الإخوانية، ولا عن أسر أهالي شهداء الجيش والشرطة وحزنهم على أبنائهم الذين راحوا ضحية الإرهاب، إذ لم تعد موضوعات كتلك ضمن اهتمامات المنظمات الحقوقية التي جرى اختراقها وسرطنتها، وصارت منصات لتبرير الإرهاب، واستجداء التعاطف مع داعميه، وتوفير مناخ يحمي منفذيه، لتتحول إلى جهات تسعى إلى حماية حقوق الإنسان الإرهابي!
نقلا عن الحياة اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع