بقلم : محمد صلاح
مارس الإخوان المسلمون ما يعتقدون أنه جهاد، وجيّشوا أنفسهم، وابتدعوا خدعاً وألاعيب، وارتكبوا جرائم، وصوبوا منصاتهم الإعلامية فترة طويلة للانتصار في معركة إسقاط الجنيه المصري وخفض قيمته في مواجهة العملات الأخرى، وحوّل بعض رموز الإخوان من محترفي الاتجار في العملات محلاتهم وشركات الصرافة المملوكة لهم إلى أوكار أو مخازن أو مغارات، خزّنوا فيها العملات الأجنبية عموماً والدولار الأميركي خصوصاً، بعد سحبها من السوق المصرية، بينما برع آخرون منهم في تهريبه إلى الخارج، أو إعادة بيعه في الداخل، بعد رفع سعره وتعطيش السوق لجعله عملة نادرة، فيما وزَّع أعضاء الجماعة المتسرطنون في دول العالم، خصوصاً في الدول ذات الوجود الكبير للمصريين الذين يعملون خارج وطنهم، أنفسهم أمام محلات الصرافة والبنوك خارج مصر لاصطياد كل مصري يريد تحويل مبلغ ما إلى أهله، واقتناص كل مواطن يرغب في سداد قسط لشقة أو سيارة أو قطعة أرض، وإغرائه لشراء الدولار منه بسعر يفوق بكثير سعره في مصر.
تفنن الإخوان في افتعال الأزمات منذ ثورة الشعب المصري ضد حكم محمد مرسي قبل خمس سنوات، وتعمدوا إهدار قيمة الجنيه المصري حتى تزيد معاناة الناس ويزداد الاقتصاد وقوعاً، وحين قررت الحكومة المصرية تعويم الجنيه وطرحه حراً في المصارف وشركات الصرافة أصيب الإخوان بصدمة، لكنهم سريعاً غيروا خططهم، وانتقلوا إلى مياه عكرة جديدة ليصطادوا فيها لعل النظام يسقط ويعود مرسي إلى القصر الرئاسي! لكن الجنيه المصري صمد، ومرسي لم يعد ولن يعود بالتأكيد، بينما الإخوان الآن اتجهوا إلى التعاطي مع أزمة أخرى ذات علاقة بالعملة أيضاً، لكن بسلوك مغاير، وإن اعتمدوا على الكتالوج نفسه الذي يقوم على الأكاذيب والفبركات والادعاءات، فالليرة التركية تنهار، والإخوان في حال استنفار، وكل أعضاء التنظيم سواء هؤلاء الذين تحتضنهم تركيا ذاتها وتحميهم من المطاردة القانونية أو الملاحقة القضائية أو حتى المقيمين في دول أخرى، يحاولون الآن إنقاذ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ومساعدته في الصعود بالليرة ومنع سقوطها أكثر من المستوى الذي هبطت إليه، وحماية الاقتصاد التركي من المؤامرة الكونية الدولية الخيالية عليه! المهم أن الكائن الإخواني المصري لا يخجل من تصرفات كتلك، وحينما تسأله عن التناقض بين محاولاته ضرب اقتصاد بلده، والرقص فوق جثث ضحايا إرهاب الجماعة والسعي بكل الطرق إلى إفقار الناس أكثر، والضغط على أحوالهم المعيشية أكثر وأكثر، وفي المقابل حشده كل جهوده وإمكاناته وأسرته ومن حوله لإنقاذ عملة دولة أجنبية لمجرد أن رئيسها إخوانجي، فإنه يلجأ فوراً إلى استخدام الدين في مفرداته، معتقداً أن الناس مازالت تثق في الإخوان، أو تطمئن إليهم، أو تصدق كلامهم، وهو لا يدري أن مجرد مشاركته في هذا الحشد وذلك المشهد، بعدما فرغ من محاولات ضرب عملة بلده، يباعد أكثر بينه وبين الناس الذين كانوا يوماً يتعاطفون مع الجماعة. بغض النظر عن الأسباب السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أدت إلى انهيار الليرة التركية، وكلها معروفة ومتداولة.
وبعيداً عن الطباع الشخصية لأردوغان وتصرفاته وسياساته وتقلباته ومواقفه المتناقضة ومصالحه المتشعبة وتحالفاته الانتهازية، ودعمه اللا محدود للإخوان باعتبارهم أبناء الجماعة التي ينتمي إليها، إلا أن تركيا تظل بالنسبة إلى كل إخواني نموذجاً يتباهى به أمام الآخرين، ويحلم بتطبيقه في كل قطر عربي، فيحاول أن يخفي عيوب ذلك النموذج وسياساته الفاشلة وعلاقاته بإسرائيل، وحتى مهرجانات الشواذ والمثليين في شوارعه وأحيائه، وكذلك بالطبع ليرته المنهارة!
نقلًا عن الحياة اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع