بقلم - محمد صلاح
ليس من الحكمة أن يدافع أحد عن قرار بزيادة سعر سلعة أو خدمة أساسية للمواطنين في بلد ما، إذ سيجد نفسه في مرمى الغاضبين والمتضررين، وسيدخل على الفور إلى المربع حيث يوجد الموصوفون بـ «مطبلاتية النظام» والمصفقون لكل قرار حكومي. وأن لا يجد القرار من يدافع عنه يعني أنه قرار خاطئ صدر كراهية في الناس، أو المقصود منه التضييق عليهم أو التأثير في مستوى معيشتهم، لكن هناك جهات ومنصات ومحترفين تعمل بكل الطرق حتى لا يبدو القرار مقنعاً، أو أن الزيادة ضرورية أو حتمية، ومع ذلك ومهما كانت المبررات فإن المناقشة الموضوعية لقرار يتعلق برفع سعر سلعة أو خدمة ستضع صاحبها في خانة المعادين للبسطاء «والغلابة» المتضررين، وستجعله من المدافعين عن الأثرياء وعلّية القوم وأهل البيزنس. اللافت أن الدفاع عن أي قرار يتعلق بأسعار السلع والخدمات في مصر يكون على مواقع التواصل الاجتماعي بدرجات تفوق كثيراً ما تقوم به وسائل الإعلام المصرية، وبينها المحسوبة على الحكومة. صحيح أن المدافعين غير متضررين أو أنهم لا يستخدمون تلك الخدمة أو هذه السلعة، لكن بينهم من لا زالت في أذهانهم ذكريات الفوضى وهواجس الربيع العربي والمخاوف من ضياع البلد وتحولهم ليعيشوا في خيام المأوى.
حظيت مسألة زيادة أسعار تذاكر مترو الأنفاق في مصر بتغطية إعلامية وصحافية واسعة، ليس فقط من وسائل الإعلام المحلية ولكن أيضاً من صحف عالمية ووكالات أنباء دولية ومواقع إلكترونية غربية، ناهيك بالطبع عن المنصات الإعلامية الإخوانية والقنوات التي تبث من الدوحة وإسطنبول ولندن التي تقدم فيها الحدث على أخبار نشاط قاسم سليماني في سورية وألاعيب الانتخابات في تركيا وتفجيرات الكنائس في إندونيسيا وكوارث طبيعية في شرق الأرض وغربها!
عموماً فإن برنامج الحكومة المصرية المعلن والمعروف منذ شهور يتضمن خفضاً تدريجياً للدعم الموجّه إلى وسائل النقل العام وكذلك المحروقات والكهرباء، وغالبية المصريين وكل الجهات التي ترصد أحوال المعيشة في مصر تعرف منذ فترة طويلة أن كلفة ركوب المترو ستزيد، ليس هذا فقط، بل إن أسعار البنزين والمازوت وغيرهما من المحروقات سترتفع ربما بعد شهر أو اثنين، وفاتورة استهلاك الكهرباء ستقترب من الأسعار العالمية ربما بعد أسابيع.
المدهش أن الجميع تعامل مع الحدث وكأنه مفاجئ أو غير متوقع، حتى وسائل الإعلام المحسوبة على الحكومة والتي كان يفترض أن تهيّء الناس للقرار قبل صدوره بدت وكأنها أصيبت بالصدمة، فبدأت العلاج بعدما وضعت الحكومة نفسها في موقف رد الفعل، فيما كان عليها أن تبادر إلى شرح أبعاد القرار وأسبابه وأن تعرض للمواطنين الطرق المثلى للتعاطي معه لتخفيف العبء عنهم. في الجانب الآخر نشطت وسائل تحريض الناس على اقتحام محطات المترو واستغلال الحدث لإثارة الفتن ونشر الفوضى، وانتشرت مطالبات بتحطيم بوابات المترو أو ركوبه عنوة من دون سداد ثمن الخدمة، فأدرك المصريون بحكم الخبرة بالطبع، أن هناك من اعتاد الصيد في كل مياه عكرة يسعى إلى استخدامهم فجهز الاستديوات وأضاء المصابيح للتعامل مع الحدث «المبهج». إنه الأسلوب الإخواني المعروف الذي مارسته الجماعة عشرات المرات، لعل جهودها تلك تعجّل بثورة يحلم بها الإخوان منذ أطاح الشعب المصري حكم الجماعة فيأتي محمد مرسي عبر المترو ليجلس على المقعد الرئاسي!
حتى الآن لا يصدق الإخوان والدول والجهات التي تدعم التنظيم، وكذلك الناشطون الذين «تمتطيهم» الجماعة، أن المصريين إذا غضبوا أو اعترضوا على قرار أو إجراء أو تصرف للحكومة أو لمسؤول تنفيذي أو حتى للسيسي نفسه، فإن ذلك لا يعني أبداً الحنين إلى حكم الإخوان أو القبول بعودة الجماعة إلى واجهة الصورة مجدداً، بل يمكن القول إن مظاهر الاحتجاج تفشل كل مرة بمجرد أن يقحم الإخوان أنفسهم فيها، ويكفي أن يلاحظ المصريون أن الحملات تأتي من الخارج ليجدوها مقززة ومخجلة فينصرفون عنها، وهم الذين وجدوا أنفسهم مجبرين على أن يسددوا الآن ثمن أخطاء أجيال أخرى مضت بعدما تركت البلد وبنيتها التحتية متهالكة ومستوى الخدمات فيها متردياً، ومع ذلك لن يقبلوا أن يتم استخدامهم مجدداً، فمرسي لن يعود إلى الحكم سواء مع هطول السيول أو عبر أنفاق المترو!
نقلا عن الحياة اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع