بقلم - محمد صلاح
ما إن شرعت الحكومة المصرية في هدم المنطقة العشوائية المعروفة باسم «مثلث ماسبيرو» المواجِهة لنيل القاهرة بجوار مقر وزارة الخارجية ومبنى جامعة الدول العربية وبناية التلفزيون، منهية نحو 30 سنة من مفاوضات أجرتها الحكومات المتعاقبة مع السكان لإخلائها وتعويضهم، بعدما وصلت الأوضاع في المنطقة إلى مرحلة مزرية... إلا وكانت المنصات الإعلامية الإخوانية جاهزة من أجل الإجهاز على المشروع الكبير، فسعت إلى تحريض الأهالي لمنعهم من إتمام الاتفاق مع الحكومة التي وضعت المنطقة ضمن مشروع حضاري كبير لتطوير القاهرة وإزالة المناطق العشوائية فيها. اللافت هنا أن رد فعل الناس تجاه الحملات الإخوانية لم يتغير، فهم أدركوا منذ سنوات أن الإخوان لا يسعون أبداً إلى تحقيق مصالح الجماهير، وإنما إلى هدم الدولة المصرية على من فيها، والحؤول دون تنفيذ أي مشروع يحقق الفائدة للناس أو البلد، ولذلك سخروا من الهجوم على المشروع تماماً كما سخروا من قبل من دعوات الإخوان إلى العصيان المدني، أو ثورة للجوع، أو مقاطعة الانتخابات الرئاسية. كان لافتاً أيضاً أن الحملة الشعواء على مشروع تطوير ماسبيرو جرى ربطها بتيار كثيف من الشائعات في مجالات وموضوعات وقضايا مختلفة، وهو أسلوب معروف ضمن الحرب اللامتماثلة، الذي تتبعه كل الجهات المناصرة للإخوان منذ إطاحة حكم الجماعة، للاغتيال المعنوي لكل مسؤول يحقق إنجازاً وحرقه سياسياً، وإرباك المجتمع بسيل من الأكاذيب حتى تضيع الحقائق عن الناس، وتُشغل أجهزة الدولة في الدفاع عن مواقفها وسياساتها بدلاً من أن تتفرغ لحل مشاكل المواطنين، أو تحقيق نجاحات تضاف إلى رصيد الحكم وتنتقص من رصيد الإخوان، وتثبت فشلهم في إدارة أمور الدولة أثناء السنة التي قضاها محمد مرسي على المقعد الرئاسي.
وبينما كانت اللجان الإلكترونية الإخوانية تدعي طرد «الغلابة» من مثلث ماسبيرو من أجل مصالح الأغنياء والأثرياء، كانت وزارة الإسكان تنفي شائعة عن رفع الحكومة الدعم عن مشاريع الإسكان الاجتماعي، بل أشارت إلى زيادة الدعم المقدم للمستفيدين بوحدات الإسكان الاجتماعي ليصل إلى 40 ألف جنيه في إعلانات الحجز المقبلة بدلاً من الحد الأقصى الذي يصل إلى 25 ألف جنيه حالياً. فالإخوان لا يريدون للعشوائيات أن تزال، ولا يرغبون بالطبع في أن يُنقل سكانها إلى بيوت آدمية. وحتى هؤلاء الذين نقلوا من أحياء عشوائية إلى حي «الأسمرات» الجديد سعت الجماعة إلى تحريضهم على عدم سداد الأقساط الشهرية لمساكنهم الجديدة تحت زعم أن «فلوس» الدول كثيرة وتستطيع تغطية نفقات الشقق التي نقلوا إليها!
هكذا ركزت الجماعة في الفترة الأخيرة على الفئات الشعبية والبسطاء من المواطنين وسكان العشوائيات الذين ظل التنظيم يعتبرهم مخزوناً إستراتيجياً تستخدمهم عند الحاجة، وحل مشاكل هؤلاء بالطبع يطيح آمال الإخوان في إمكانية إعادة استخدامهم مجدداً! وحتى مواعيد الامتحانات لم تسلم من أكاذيب الإخوان وشائعاتهم، إذ نفت وزارة التربية والتعليم أنباء انتشرت عن تأجيل موعد انعقاد امتحان الدور الأول من شهادة إتمام الدراسة الثانوية العامة للعام الدراسي الحالي. وكذلك نفت الوزارة ادعاءات حول تحويلها مبلغ 209 ملايين جنيه من موازنتها لمصلحة صندوق «تحيا مصر»، وأشارت إلى مستند مزور تناقلته مواقع الإخوان الإلكترونية حول الأمر. في أسبوع واحد كان ذلك نمط أكاذيب الإخوان وشائعاتهم، وهم يعتقدون في المثل المصري «العيار الذي لا يصيب يدوش» فإذا لم يفلحوا في تحريض الناس على الثورة فعلى الأقل يربكون المجتمع ويبقون على الأوضاع ساخنة دائماً، ولأن الحملة التي يشنها الجيش ضد الإرهابيين في سيناء أوشكت على الانتهاء، إذ بدأت مظاهر الحياة الطبيعية تعود إلى شمال ووسط شبه الجزيرة، فإن الإخوان انزعجوا وهم الذين ظلوا على مدى الشهور الثلاثة الأخيرة يروّجون لأكاذيب وادعاءات عن غضب بين أهالي سيناء وأضرار إصابتهم نتيجة الحملة، ثم فوجئوا بمدى تعاون الأهالي مع الجيش للقضاء على الإرهابيين. ولذلك جاء رد فعل الإخوان مزيداً من الأكاذيب والشائعات، والمؤكد أن نقل سكان العشوائيات من مناطقهم الفقيرة المعدومة الخدمات إلى أحياء حضارية كـ «الأسمرات» في القاهرة و «غيط العنب» في الإسكندرية يضرب مستقبل تنظيم لا يدرك حجم التغيرات التي جرت في مصر.
نقلا عن الحياة اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع