بقلم - محمد صلاح
بعض الناس أصبح ينظر إلى المعارض السياسي في مصر على أنه «سيئ السمعة»، حتى لو كان صاحب تاريخ سياسي عريق ومواقف وطنية نبيلة ولم يتحالف يوماً مع «الإخوان» وتفادى طوال تاريخه التعامل مع المنظمات الحقوقية الخاصة والمراكز البحثية الغربية، فهو يواجه لوم الناس وآراءهم السلبية نحوه. باختصار، فإن سمعة المعارضة تعرضت لأضرار بالغة بفعل سلوك المعارضة ذاتها وبعض الشخصيات المحسوبة عليها بعد الربيع العربي.
بالطبع لا يمكن اعتبار الإخوان المسلمين في مصر ممثلين للمعارضة، فالجماعة التي ظلت على مدى عقود تحظى بتعاطف فئات شعبية، ودعم نخب ورموز سياسية ومنظمات حقوقية، تحولت بعد ثورة الشعب المصري ضد حكم محمد مرسي إلى تنظيم يطلب الثأر من السيسي والجيش والشعب المصري، فتركت العمل السياسي وتفرّغت للنشاط الانتقامي. تحالفت مع دول أجنبية واستقوت بجهات خارجية وتعاونت ونسّقت مع تنظيمات إرهابية ففقدت الحضور في الشارع والزخم الجماهيري، وتركت فراغاً واسعاً لم تستطع قوى المعارضة الأخرى أن تملأه. وبينما اقتصر نشاط «الإخوان» في الشارع، ناهيك بالمنتديات السياسية ووسائل الإعلام، على استخدام لغة السباب والشتائم لحرق الحكم معنوياً وسياسياً من دون جدوى، بدا أن قوى المعارضة الأخرى لم تعثر بعد على الطريق الذي يفترض أن تسير فيه ولا يبدو أنها من الأساس تبحث عن طريق!!. ارتمى «الإخوان» في أحضان جهات خارجية وجرى القبض على قادة التنظيم داخل مصر وإخضاعهم للمحاكمات، وفر الباقون ليقيموا في الدوحة وأنقرة وبعض الدول الغربية، ليمارسوا التحريض من الخارج، فأُفسح المجال واسعاً لقوى المعارضة الأخرى لتمارس السياسة بارتياحية ظلت على مدى سنوات طويلة تحلم بها، إلا أنها لم تستثمر الفراغ ولم تتواصل مع جموع المصريين، بل إن بعض رموزها صار همهم الأول محاولة خلق رأي عام خارج مصر ضد الحكم، كما «الإخوان» تماماً، على رغم اختلاف الأهداف والدوافع والظروف.
يفترض أن تقدم قوى المعارضة برامج بديلة وسياسات مغايرة عن التي يقدمها الحكم وأن تنأى بنفسها عن شبهة أن تكون أداة لقوى أو جهات خارجية، وأن تربط نفسها بمصالح الجماهير أو قطاعات منها على الأقل، إلا أن شيئاً من هذا لم يحدث وصارت حالها أسوأ كثيراً من أحوالها في عهد مبارك!
الأوضاع السياسية في مصر على مدى عقود لم تكن ملائمة لبناء معارضة قوية أو حتى تساعد على حياة حزبية متكاملة أو تسهل تأسيس كيانات وقوى سياسية تتمتع بشعبية جماهيرية. هذا ما استغلته جماعة الإخوان المسلمين وقوى الإسلام السياسي الأخرى، لكن نظم الحكم المتعاقبة لم تكن وحدها السبب، إذ أن القوى الليبرالية واليسارية نفسها والتي ظلت طوال حكم حسني مبارك تشكو الملاحقات والحصار التضييق، لم تستغل أحداث كانون الثاني (يناير) 2011 وما أعقبها من تداعيات لتطرح نفسها كبديل للحكم أو «الإخوان»، وإنما انقسمت وتشرذمت وتفتت وبحث بعض رموزها عن تحالفات مع الحكم الجديد، بينما لجأ آخرون إلى مهادنة «الإخوان» أملاً في مواقع في مشهد سياسي تتصدره الجماعة! تبدو الصورة وكأن المعارضة السياسية المصرية دفعت ثمن ارتباطها لسنوات بـ «الإخوان»، وحين لفظ المجتمع تلك الجماعة فإنه أيضاً تحول عن المعارضة بل رفضها، ليس فقط لأن الأحزاب والنخب لم تؤسس قواعد جماهيرية أو تطرح بديلاً، ولكن أيضاً لأن شخصيات معارضة حين أرادت أن تعارض واستخدمت الآليات نفسها التي يستخدمها «الإخوان» من دون أن تدرك ردود الفعل الجماهيرية تجاه كل فعل أو تصرّف أو نشاط لـ «الإخوان»، والتي تعكس الفجوة بين ذلك التنظيم والشعب المصري إلى درجة لم يعد ممكناً تجاوزها، حتى أن ظهور واحد من رموز المعارضة السياسية على شاشة فضائية «إخوانجية» كفيل بأن يفقد هذا الرمز صدقيته.
يحتاج الرئيس السيسي إلى معارضة سياسية ناضجة، لكن يبدو أنه سيمضي في ولايته الثانية من دونها، ما يضع عليه أعباء أخرى غير تلك التي يفرضها حكمه لبلد بحجم مصر، فلا مؤشرات على قرب ظهور معارضة لم يفسدها الربيع العربي.
نقلا عن الحياة اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع