بقلم - محمد صلاح
لم يجد المتباكون على الربيع العربي أمام سخط الناس وغضبهم وندمهم على الأحوال، التي ضربت العالم العربي خصوصاً الدول التي عبر الربيع من فوقها، سوى الزعم بأن الخراب الذي حل بالمنطقة، والدمار الذي هبط على مدنها وشوارعها وحواريها، والفقر الذي تفشى بين أهلها، وخيام الإيواء التي تسابق النازحون على حجز أماكنهم فيها، والنار التي أكلت الأخضر واليابس، والقتل الذي تحول هواية بعدما كان مهنة المحترفين، أمور لم تكن تحدث لو سُمح للربيع بأن يكتمل ويمر من دون مقاومة، وأن تمضي الاضطرابات والثورات والمسيرات والاعتصامات والإضرابات إلى نهايتها ومن دون سقف حتى تحقق غايتها لتخرج المجتمعات العربية من الظلام إلى النور، ومن الظلم إلى العدل، ومن الديكتاتورية إلى الديموقراطية، ومن الفقر إلى الثراء ومن التخلف إلى التقدم!!
كأن الشعوب التي تصدت للإرهاب وقاومت الإرهابيين وثارت على «الإخوان» في مصر ورفضتهم في دول أخرى جنت على نفسها، وكانت السبب في ما جرى لها من هلاك، وتستحق العقاب الآن لكونها لم تسمح بتسليم مصائرها إلى هؤلاء الذين لا يعترفون بوطن أو حدود، ويتحالفون مع أي طرف يمنحهم وعداً بالمساعدة والعون والمال... والسلاح!!
إنه المنطق المخزي نفسه الذي استخدمه القيادي الإخوانجي صفوت حجازي بعدما ثار الناس في مصر على «الإخوان»، واعترضوا على حكم المرشد، وضغطوا على الجيش كي يخلصهم ممن سعوا إلى هدم الدولة على من فيها، وأخونة مؤسساتها أو إحراقها، فحجازي وقف أمام المصابيح والعدسات ليقايض الشعب المصري بأن الإرهاب الذي يضرب سيناء يمكنه أن يتوقف إذا تراجع السيسي عن الإجراءات التي اتخذها ضد الجماعة، وإذا قبل الشعب بعودة محمد مرسي إلى القصر الرئاسي!!
اعتمد مروجو الربيع العربي ومحركو الثورات وخبراء نشر الفتن والفوضى والاضطرابات على أمواج من الأكاذيب ليخرجوا الناس ويدفعوا بالبسطاء للنزول إلى الشوارع والميادين. وعلى رغم أن الشعوب فطنت أخيراً إلى اللعبة، وانتبهت إلى الخدعة، واكتشفت حجم المؤامرات التي حيكت، والاتفاقات التي عُقدت، والاجتماعات التي كانت تتم بعيداً من الأضواء وفي الغرف المغلقة، وقررت التمسك بالأوطان والدفاع عن التاريخ والجغرافيا، لم يغير ثورجية الفضائيات وراكبو موجة «الإخوان» والمتسرطنون في أروقة المنظمات الحقوقية والمراكز البحثية الغربية وفروعها ومناضلو الفنادق والغرف المكيفة، من أساليبهم في تعاطيهم مع بكائية الربيع العربي، فزادوا الكذب أكاذيب والفبركة فبركات. ويكفي رصد الآلة الإعلامية القطرية والفضائيات التي تبث من الدوحة وإسطنبول ولندن ومتابعة جهود اللجان الإلكترونية الإخوانجية لتدرك حجم الغضب الذي يسود «مجاذيب» الربيع العربي وأحباءه، وكمّ الإحباط الذي أصاب هؤلاء الذين عاشوا أحلام السلطة والثراء والنفوذ، وصحوا على واقع لم يتوقعوه ولم يغضبوا أو يحبطوا لتسببهم في ضياع أوطان وتقسيم شعوب ونشر الفوضى والإرهاب، ولكن لأن مقاعد السلطة ضاعت وأحلامهم في النفوذ تبخرت واستمرارهم في الخداع توقف، واكتشفوا أن الشعوب فهمت القصة ووعت الحقيقة وأدركت أنها حين لبت نداء الربيع سلمت مصائرها لمن تاجروا بالمصائر،
المدهش أيضاً ذلك السجال بين المصريين الفخورين بنجاة بلدهم من مصائر دول أخرى ضربها الربيع، فانقسمت وتشتتت شعوبها وتسرطن الإرهاب على أرضها، وبين المتباكين على هزيمة الربيع العربي ممن رضوا بامتطاء «الإخوان» لهم وجهروا بالادعاء بمنتهى الجسارة أن الفضل في عدم سقوط مصر أو تقسيمها لا يعود إلى الجيش وإنما إلى الثوار الذين لو كانوا أكملوا طريقهم لهدموا البلد على من فيه، وكانوا يستطيعون لكنهم رفضوا (!!) حرصاً على البلد ورأفة بالشعب، ما يعكس «دماثة أخلاق الثوار ونبل أهدافهم والحنان الذي تفيض به قلوبهم»!!
لم تكن الأوضاع في غالبية الدول العربية قبل أن يحل عليها خراب الربيع العربي وردية، أو الحياة فيها مثالية، وكثير من شعوبها عانى الفساد والظلم وغياب الحريات، لكن نيات صناع الربيع وأهدافهم لم تكن القضاء على الفساد، أو وقف الظلم وتحقيق العدل أو إطلاق الحريات، وإنما تباينت بين معاقبة هذا النظام أو ذاك، وإسقاط هذه الدولة أو تلك، والقفز فوق مقاعد السلطة، والسطو على مراكز النفوذ، والتنكيل بكل معارض، وحرق التاريخ وإفساد الجغرافيا!!
لا يشعر مناضلو الربيع العربي بالخجل، فهم لا يعرفونه، ولو جربوا حمرته يوماً لما ساروا في طريق أهلك شعوبهم، أو دمر مجتمعاتهم، أو منح الفرص لأعداء أوطانهم بالتحكم فيها والمتاجرة بأهلها، لذلك هم مستمرون في الإفساد والبكاء على فوضى لم تكتمل وإرهاب لم يتمكن!!
نقلا عن الحياه اللندنيه