بقلم - محمد صلاح
ظهرت لعبة «الحوت الأزرق» الإلكترونية حديثاً، فأثارت ضجة كبيرة بعدما تسببت في انتحار أعداد من الشباب وقعوا فريسة لخداعها وتأثيرها المدمر عليهم، لكن شعوباً عربية كانت سباقة، إذ مارست لعبة أخرى طرحها الربيع العربي، فكانت النتيجة ما يعيشه العرب الآن من محنة كبرى ومؤامرة عظيمة جعلتا دولاً كبرى وقوى إقليمية تصفي حساباتها داخل البيت العربي الكبير. دفع عدد من الشباب حياتهم ثمناً لإدمان لعبة «الحوت الأزرق» التي استحوذت على عقولهم، وبدأت السلطات وعلماء الدين وأساتذة علم النفس التحذير من خطورتها، ودعوا الشباب إلى تجنبها، بعدما أثبتت التحقيقات في حالات انتحار عدة أن الضحايا كانوا يمارسون اللعبة إلى أن وصلوا إلى مرحلتها الأخيرة، فتلقوا الأوامر ونفذوها طواعية، وانتحروا غالباً بالقفز من الأماكن العليا.
لا فرق كبيراً، هكذا فعلت شعوب عربية بأوطانها عندما ساهمت في تدمير بلدانها وإسقاطها وتفكيكها وتقسيمها وهي تعتقد أنها تمارس لعبة التغيير والتطوير والثورة! تفاعل ضحايا «الحوت الأزرق» مع نصائح وشعارات صُناع اللعبة، ولبوا النداء واحداً وراء الآخر، حتى وجدوا أنفسهم تورطوا في مراحل متقدمة من اللعبة، ولم يلحقوا أنفسهم ولم يتراجعوا وأكملوا المهمة معتقدين أنهم في النهاية سيحققون الفوز على ذلك الحوت المرعب والمريب، وسينتصرون على منافسيهم وأعدائهم، ولم تمنحهم اللعبة فرصة الندم على ما فعلوا، وتسبب غباؤهم أو أمراضهم في أن ينهوا حياتهم، وماتوا قبل أن يكتشفوا الخدعة التي حاكها «الحوت الأزرق»، أو ينتبهوا إلى المقلب الذي شربوه والدمار الذي أحدثوه لأنفسهم، والحزن والأسى والكوارث التي تسببوا فيها لأهاليهم وأسرهم. خضعت شعوب عربية لغسل عقول مارسته نخبة انتهازية وناشطون كانوا ينالون المكافآت في السر من الكفيل الغربي، أو العربي الذي كان جهز أدوات اللعبة وطرق استخدامها وأساليب تشويق الناس ودفعهم إلى ممارستها.
تساقطت الدول واحدة وراء أخرى بعدما عانت مجتمعاتها القتل والسرقة والدمار والفوضى، وتدخل صانع اللعبة الغربي ليوزع الخيام والمؤن على الضحايا، ليربح الإشادات على إنسانيته، وهو الذي أبدع اللعبة وغلفها بشعارات الحرية والديموقراطية والعدل والإنسانية، ليقنع ضحاياه بأن يخربوا بأنفسهم دولهم بينما يعتقدون أنهم يعيدون بناءها جديد. نجت مصر من اللعبة، إذ خرجت أعداد غير قليلة من فئات الشعب في كانون الثاني (يناير) 2011 للمطالبة بالحرية والعيش الكريم والكرامة الإنسانية، وهي شعارات نقية وجذابة وبراقة لتضغط على الحكم ليرحل فرحل، لكن بعدها أدركوا أن صانع لعبة الربيع العربي مهد لخطوات أخرى لا بد أن تنتهي بالدمار والانتحار، بمرور الوقت ووقوع الكوارث شاهد المصريون بلدهم يحترق ويُخترق وتسلم مقاليد الأمور فيه إلى جماعة لقادتها وزعمائها تحالفات مع منظمات وجهات غربية ودول خارجية عربية وغربية هدفها أخونة الدولة وتأسيس أممية كبرى على حساب الوطن، فاستعاد الشعب المصري وعيه قبل اللحظة الأخيرة، ولم يمكنوا الربيع العربي أو ذلك الحوت المدمر من أن ينتصر عليهم وعلى دولتهم. رغم التحذيرات من خطورة «الحوت الأزرق» إلا أن شبابنا مازالوا يمارسون اللعبة، يتحدون أنفسهم والآخرين طمعاً في وهم لن يتحقق، ورغم الكوارث التي خلفها الربيع العربي لكن هناك من يدافع عنه، ومازال يحرض الناس على الفوضى وتنفيذ خطط وضعت خارج الوطن العربي لتنفذها شعوب عربية لتهلك وتُهلك معها أوطانها.
لا فرق كبيراً بين الأخبار والتقارير في الصحف والمواقع الإلكترونية وقنوات التلفزيون عن تداعيات لعبة «الحوت الأزرق» ومخاطرها والآثار المدمرة التي خلفتها لأسر وعائلات راح أبناؤها ضحايا ما كانوا يعتبرونه مجرد لعبة أو وسيلة تسلية أو تحدياً إلكترونياً، وبين الأنباء التي لا تتوقف عن صراعات تجرى بين قبائل وبعضها، أو فصائل وأخرى، أو طوائف وجماعات وأعراق وفئات داخل البلد العربي الواحد كخطوات للعبة الربيع العربي، الذي يبدو وكأن صانعيه طوروا اللعبة سريعاً لتناسب الظروف الجديدة، فجهزوا مراحل أخرى يفترض أن تلي مرحلة الانتحار والسقوط والدمار بالزعم أن القادم أفضل، وأن تلك المرحلة من اللعبة لن تطول، وأن الحرية قادمة والمساواة آتية والعدل في الطريق والثورة ستنجح، ومحمد مرسي سيعود إلى القصر الرئاسي في مصر يوم الأحد المقبل!
نقلا عن الحياة اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع