بقلم-محمد صلاح
حينما يقول الرئيس المصري إن مصر «تتسع للجميع بكل التنوعات ما عدا الإرهابيين»، فالمؤكد هنا أنه يقصد الإخوان المسلمين، فالرجل لا يفرق بين «الإخوان» و «داعش» وكل التنظيمات المتطرفة. كلام السيسي في مناسبة أدائه اليمين الدستورية لولايته الثانية هو حدث صادم للإخوان الذين ظلوا يبشرون أتباعهم على مدى السنوات الأربع الأخيرة بأنهم أقوى من السيسي، وأن ما يسمّونه «الانقلاب» يترنح، وأن محمد مرسي سيعود إلى القصر، فجاء السيسي في بداية فترته الرئاسية الثانية ليضرب أطماعهم حتى في مصالحة مع الحكم، إذ أكد أنه «يقبل الآخر من أجل تحقيق التوافق والسلام الاجتماعي»، وأنه «رئيس لكل المصريين إلا من اختار العنف والإرهاب والفكر المتطرف سبيلاً لفرض إرادته وسطوته». بشكل واضح فإن السيسي يعني الإخوان المسلمين.
عموماً لم يكن أول من أمس السبت يوماً طيباً بالنسبة إلى أعضاء ذلك التنظيم، فالسيسي أسقط فيه نظرية ظلت الجماعة تسعى إلى تثبيتها، وجيّشت لأكثر من خمس سنوات رموزها وعناصرها وتحالفت مع الغرب والشرق من أجل تطبيقها، حتى أن بعض أعضائها صار يحلم بها أثناء يقظته، وليس نومه فقط، فاكتشف أن «الانقلاب لم يترنّح» ومرسي لم يعد إلى المقعد الرئاسي يوم الأحد الماضي ولا أي أحد آخر!!. سعى الإخوان وحلفاؤهم في قطر وتركيا وجهات استخبارية وحقوقية وإعلامية في دول غربية إلى ضرب الدولة المصرية وتخريبها خلال الولاية الأولى للسيسي من دون جدوى، على رغم استخدامهم كل الأساليب المتاحة لتحقيق ذلك الغرض. أنفقت الدوحة أموالاً طائلة، وقدّمت تركيا دعماً لوجستياً لامحدوداً، واعتمد «الإخوان» كل الآليات الممكنة لنشر الفوضى وتسيير الربيع العربي مجدداً فوق مصر من دون فائدة، وفشل الإرهاب في مواجهة الشرطة والجيش، حتى تظاهرات الإخوان في الشوارع لم تستمر طويلاً، وبمرور الوقت انحسرت واقتصرت على بعض الأزقة البعيدة عن المناطق الحضارية من دون أن يدري بها أحد، المهم أن تتم التظاهرة ولو في الخفاء لمجرد التقاط الصور وإرسالها إلى القنوات الفضائية الداعمة للإخوان في لندن وأنقرة والدوحة لتوحي للناس بأن هناك فوضى في مصر، أو أن الناس غير راضين عن أي حكم سوى حكم «الإخوان»!. الزخم الذي صاحب بداية الولاية الثانية للسيسي يطيح أمل الجماعة في التعايش مع الحكم أو الشعب، ويضرب طموح «الإخوان» وداعميهم في التوصل إلى قواسم مشتركة تسمح بإعادة الحياة إلى النشاط السياسي لـ «الإخوان»، خصوصاً أن السيسي مستند في موقفه الرافض لأي مصالحة مع التنظيم إلى ظهير شعبي، والشعب نفسه صار مقتنعاً بأن «الإخوان» ارتكبوا إرهاباً وسعوا إلى إسقاط الدولة ومارسوا الحرق والقتل والتخريب ضد عموم المصريين.
اخترق موكب السيسي ميدان التحرير عند ذهابه ومغادرته مقر البرلمان، فبدا الميدان أنيقاً نظيفاً بعكس مشهده حين تحصَّن فيه الإخوان والثورجية قبل سبع سنوات واعتقدوا أنهم من هناك امتلكوا البلد وشعبه.
أصبح السيسي أول رئيس مصري يؤدي اليمين الدستورية داخل المقر التاريخي للبرلمان منذ 13 عاماً حين أدى الرئيس السابق حسني مبارك اليمين في قاعة البرلمان عام 2005 ثم جاء خراب الربيع العربي وضربت الفوضى المنطقة، وأدى «الإخوانجي» محمد مرسي عام 2012 اليمين ثلاث مرات!! الأولى في ميدان التحرير والثانية في جامعة القاهرة والثالثة أمام المحكمة الدستورية. وبعد ثورة الشعب المصري ضد حكم «الإخوان» أدى المستشار عدلي منصور اليمين في المحكمة الدستورية، وكذلك السيسي أيضاً، نظراً لغياب البرلمان في تلك الفترة، لكن آلام «الإخوان» ومعاناتهم لن تقف عند أداء السيسي اليمين أو توقّعهم أن يواصل الرجل ضربه لهم في ولايته الثانية، لكنهم يتحسرون أيضاً، فالسيسي هو آخر رئيس مصري يدشن حكماً من هذا المكان، والرئيس المقبل في عام 2022 سيؤدي اليمين بعيداً من ميدان التحرير وتحديداً في العاصمة الإدارية الجديدة، التي تعد أحد أهم إنجازات عصر السيسي، حيث المقر الجديد للبرلمان... والحكم أيضاً.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الحياه اللندنيه