بقلم : محمد صلاح
رغم ضجيج «الإخوان» وتحريض المنصات الإعلامية القطرية، والتسخين الذي مارسته قنوات تلفزيونية تبث من إسطنبول، تحمل المصريون وجعاً جديداً، ومرت عملية رفع أسعار الكهرباء ثم المحروقات في مصر من دون ردود أفعال عاصفة، إلا من بعض السخرية والتهكم، ما زاد «الإخوان» غضباً وقطر قهراً وتركيا غيرة! فتلك جهات ظلت على مدى خمس سنوات تسعى بكل الطرق إلى هدم مصر على من فيها، والثأر من السيسي باعتباره أطاح آمال «الإخوان» وطموحاتهم في الانطلاق من مصر لحكم بقيو الدول العربية، وتحريض المواطنين بعد كل رفع لسعر سلعة أو خدمة، لعل الفوضى تعود مجدداً فتهيئ المناخ لانقضاض جديد على السلطة. فشلت كل المحاولات وانهارت المخططات والمؤامرات وصار الإخوان خارج نطاق المعارضة أيضاً، وما زالت الجماعة وكل الجهات الداعمة لها تتسول أزمة أو مصيبة أو حتى كارثة أمطار وسيول أو حادث قطار، لعل الحكم ينهار من دون جدوى!!
يبدو الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في موقف قوي للغاية في بداية ولايته الثانية، وهو مصرّ تماماً على تنفيذ خطته للإصلاح بغض النظر عن مؤامرات «أهل الشر»، أو حتى الظروف الإقليمية والدولية المحيطة، وعلى الأرجح فإن الرجل مقتنع بأن شعبيته تحصنت ضد المخربين، كما أن شعبه تحصن ضد كوارث الربيع العربي وخرابه.
أقرت مصر برنامجاً للإصلاح الاقتصادي بدأ تنفيذه في العام 2015 بالتقليص التدريجي لدعم المحروقات والكهرباء والمياه، وهو إجراء يمضي فيه السيسي بثبات من دون تردد ولا تأجيل، على رغم المخاوف من تفجر غضب جماهيري أو مخاطر تفاعل الأزمات المعيشية للناس.
وفي ذروة تأثر السوق بقرارات الإصلاح الاقتصادي، وتحذيرات حتى بعض مؤيدي السيسي أنفسهم من انفلات الأوضاع، أظهر الرجل إصراراً بالغاً ومضى في تطبيق إجراءات الإصلاح، ففي تشرين الثاني (نوفمبر) 2016، اتخذت الحكومة قراراً مصيرياً بتحرير سعر صرف العملات الأجنبية، ما أفقد الجنيه المصري نصف قيمته تقريباً بشكل تدريجي، لكن القرار حافظ على ما تبقى من الاحتياطي النقدي الذي كان انهار في أعقاب أحداث 25 كانون الثاني (يناير) 2011، إذ كان انخفض من 36 بليون دولار إلى ما يقرب من 19 بليون دولار، علماً بأن الاحتياطي النقدي المصري حقق الآن مستويات قياسية بتخطيه حاجز 44 بليون دولار.
وكان النظام الضريبي المصري، شهد أيضاً تغييرات جذرية بإقرار ضريبة القيمة المضافة في آب (أغسطس) 2016 على رغم اعتراض قطاع لا بأس به من سوق العمل، لكن الحُكم رأى أن إجراءات الإصلاح يجب أن تسير في مختلف شرايين الاقتصاد الوطني وقطاعاته كي تؤتي ثمارها.
وفيما الظروف المحلية والأوضاع الإقليمية تدفع في اتجاه الحفاظ على شعبية الرئيس المنتخب حديثاً لولاية جديدة بنسبة كاسحة، إلا أن السيسي أكد في خطاب تنصيبه أنه لن يؤجل عملاً أو يسوّف أمراً، ولن يخشى مواجهة أو اقتحاماً لمشكلة أو تحدياً في ولايته الثانية، وهو كان أكد مراراً أنه لا ينظر إلى مدى تأثر شعبيته باتخاذ تلك القرارات الضرورية لإصلاح الاقتصاد.
تعيش جماعة «الإخوان» والجهات الداعمة لها، وكذلك بعض النشطاء ممن امتطتهم الجماعة وهماً كبيراً ويتصورون أن سيناريو العام 2011 يمكن أن يتكرر، ولا يصدقون أن ذلك أمر مستحيل تماماً، ولذلك فهم يفشلون في كل مرة ولا يجدون استجابة من الشعب الذي يتألم ويعارض ويغضب ويسخر من رفع أسعار السلع والخدمات، لكنه لا يقبل أن يعود «الإخوان» إلى الحكم... أو حتى إلى المعارضة!
نقلًا عن الحياة اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع