توقيت القاهرة المحلي 07:38:23 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الإمارة والجماعة

  مصر اليوم -

الإمارة والجماعة

بقلم ـ محمد صلاح

إذا التقيت مسؤولاً قطرياً كبيراً وسألته عن سياسات بلده ورأيه في تصرفات الحكم هناك، ثم قادتك الظروف وجلست مع شيخ أو شاب أو حتى طفل إخواني في أي بلد في العالم وأدرت معه حواراً حول الموضوع نفسه، ستفاجأ أنك تسمع الإجابات نفسها والعبارات ذاتها، وكأن من تحدثت معهما شخص واحد وليسا شخصين، على رغم اختلاف السن والمكان والظروف المحيطة بكل منهما. بالنسبة إلى "الإخوان" فالأمر منطقي، إذ إنهم يكررون الكلام من دون وعي أو عقل، فالمهم لديهم مصلحة الجماعة، فهم تربوا على أنماط فكرية واحدة، ولا يمكن لأحد منهم، مهما كانت ظروفه أو موقعه أو مكانته، أن يجتهد أو يعمل أو يصل إلى نتائج غير تلك التي يحددها التنظيم، وعليه ألا ينطق بحرف لا يتسق مع الأفكار والمبادئ والأهداف التي أقسم عند التحاقه بالجماعة على أن يكون وفيّاً لها حتى لو كانت مخالفة للمنطق، لكن أن تحدث التوأمة بين دولة وجماعة، وبين نظام حكم وتنظيم، وبين مجتمع وفئة من البشر متناثرة في العالم وينتمي أفرادها إلى بلدان مختلفة وثقافات متباينة وأنماط سلوك متغيرة، فإنها بالفعل ظاهرة غير مسبوقة.

تتطابق مواقف جماعة "الإخوان" مع توجهات النظام القطري وتصرفاته وسياساته تماماً، ولم يصدر عن الجماعة قط، على مدى عقدين، رأي أو موقف أو قرار يخالف أو يعارض أو ينتقد قطر أو تصرفاتها، وإذا ما ظهر في العلن أو كشف عن تورط الدوحة في أمر يخالف المبادئ التي دأبت جماعة "الإخوان" على تصديرها للناس، كالهجوم على التطبيع، عند زيارة مسؤول إسرائيلي للعاصمة القطرية مثلاً، فإن الأذرع الإعلامية للجماعة تتجاهل التعليق على الحدث ولا تتناوله، وإذا وجدت الجماعة نفسها مضطرة فإنها دائماً تلجأ إلى تبريره، بل أحياناً تسعى إلى إقناع الأمة بأنه يأتي في مصلحتها! بوصلة "الإخوان" تتجه دائماً نحو الدوحة، وصار على كل إخواني، مقيم في أي مكان في العالم، أن يدافع عن قطر وأن يبرر سلوكها وأن يهاجم دائماً الدول التي تعارض السياسات القطرية.

في المقابل فإن الدوحة تقدم دعماً مالياً ولوجستياً واستخبارياً غير محدود إلى الجماعة وتحتضن رموزها وتوفر لهم الحماية وتمنحهم الإقامات والجنسية، وتسعى إلى تبييض وجوههم وتنفي عن التنطيم دائماً صلته بالإرهاب، وتدفع أموالاً طائلة إلى مكاتب المحاماة في العالم لتتبنى قضايا متهم فيها عناصر "الإخوان"، أو للإنفاق على إجراءات حصولهم على اللجوء السياسي في هذه الدولة أو تلك، كما أن المنصات الإعلامية التي أسستها قطر، سواء في الدوحة أم في أنقرة أم في لندن أم في غيرها من مدن العالم، توفر فرص عمل لـ "الإخوان" الفارين خارج دولهم، والمراكز البحثية والمنظمات الحقوقية التي اخترقها "الإخوان" في أميركا وأوروبا تعمل بأموال قطرية وتدافع عن سياسات الدوحة وجرائم "الإخوان" في آن ضد كل الأطراف التي تعتبر الجماعة مجرد تنظيم إرهابي وترى في الدوحة دولة داعمة للإرهاب.

إنها علاقة نفعية بين الإمارة والجماعة تتضمن الاتفاق على توجيه الأذى إلى كل من يكشف علاقة قطر بالإرهاب والإرهابيين. وصلت الحال إلى أن "الإخوان" صاروا يعتقدون أن الجماعة يمكن أن تندثر أو تتصدع أو تفقد ثقلها تماماً، إذا توقفت قطر عن دعم الإرهاب. أما النظام الحاكم في الدوحة فيرى في انتشار "الإخوان" في أرجاء العالم واختراقهم مؤسسات دول وحكومات وتركيبتهم القائمة على تلبية أوامر قادتهم، ما يمكنه من استغلالهم كسفراء أو جواسيس، واستخدامهم في أي وقت للتخديم على السياسات القطرية والإيحاء بأن لدى الدوحة مؤيدين في أنحاء العالم وأن الرأي العام الدولي في صفها.

يمثل "الإخوان" رأس الحربة في الهجوم على السعودية والإمارات والبحرين ومصر، وهي الدول المعارضة لدعم قطر للإرهاب، حتى أصبح الشخص الإخواني يعتقد أنه لن يدخل الجنة إلا إذا سب قادة الدول الأربع كل صباح، أو بحث في مستنقع "الميديا" الغربية طول النهار عن ما يسيء إلى الدول الأربع وشرع في تسويقه ونشره! كثيرون من الشيوعيين في العالم ظلوا يدينون بالولاء إلى مركز الحكم في موسكو على مدى عقود إلى أن سقطت الشيوعية، وأعداد غير قليلة من الليبراليين مازالوا يجدون في الغرب مصدراً لمبادئ التحرر والليبرالية، لكن القياس مختلف، فلا "الإخوان" ينتمون فكرياً إلى الدوحة، ولا قطر بالأساس تملك عقيدة فكرية بعينها، لكنه تحالف يعتقد كل من طرفيه أن بقاءه صار مرهوناً بدعم الآخر وكذلك توجيه الأذى إلى الآخرين!

نقلا عن الحياة اللندنية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإمارة والجماعة الإمارة والجماعة



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إطلالات عملية ومريحة للنجمات في مهرجان الجونة أبرزها ليسرا وهند صبري

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 01:37 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

طرق مختلفة لاستخدام المرايا لتكبير المساحات الصغيرة بصرياً
  مصر اليوم - طرق مختلفة لاستخدام المرايا لتكبير المساحات الصغيرة بصرياً

GMT 00:20 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يؤكد أنه سيقر بهزيمته إذا كانت الانتخابات عادلة
  مصر اليوم - ترامب يؤكد أنه سيقر بهزيمته إذا كانت الانتخابات عادلة

GMT 02:38 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يؤكد أن هناك الكثير من عمليات الغش في فيلادلفيا
  مصر اليوم - ترامب يؤكد أن هناك الكثير من عمليات الغش في فيلادلفيا

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد هنيدي يتراجع عن تقديم عمّ قنديل في رمضان 2025
  مصر اليوم - محمد هنيدي يتراجع عن تقديم عمّ قنديل في رمضان 2025

GMT 15:53 2018 الإثنين ,12 آذار/ مارس

إستياء في المصري بسبب الأهلي والزمالك

GMT 10:53 2019 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

تعرفي على وصفات طبيعية للعناية بالشعر التالف

GMT 02:56 2018 الأربعاء ,04 تموز / يوليو

الفنانة ميرنا وليد تستعد لتقديم عمل كوميدي جديد

GMT 19:15 2018 الجمعة ,29 حزيران / يونيو

سامح حسين يكشف عن الأفيش الأول لـ"الرجل الأخطر"

GMT 13:48 2018 السبت ,05 أيار / مايو

سيارة بدون "عجلة قيادة ودواسات" من سمارت
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon