توقيت القاهرة المحلي 16:08:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الإمارة والجماعة

  مصر اليوم -

الإمارة والجماعة

بقلم ـ محمد صلاح

إذا التقيت مسؤولاً قطرياً كبيراً وسألته عن سياسات بلده ورأيه في تصرفات الحكم هناك، ثم قادتك الظروف وجلست مع شيخ أو شاب أو حتى طفل إخواني في أي بلد في العالم وأدرت معه حواراً حول الموضوع نفسه، ستفاجأ أنك تسمع الإجابات نفسها والعبارات ذاتها، وكأن من تحدثت معهما شخص واحد وليسا شخصين، على رغم اختلاف السن والمكان والظروف المحيطة بكل منهما. بالنسبة إلى "الإخوان" فالأمر منطقي، إذ إنهم يكررون الكلام من دون وعي أو عقل، فالمهم لديهم مصلحة الجماعة، فهم تربوا على أنماط فكرية واحدة، ولا يمكن لأحد منهم، مهما كانت ظروفه أو موقعه أو مكانته، أن يجتهد أو يعمل أو يصل إلى نتائج غير تلك التي يحددها التنظيم، وعليه ألا ينطق بحرف لا يتسق مع الأفكار والمبادئ والأهداف التي أقسم عند التحاقه بالجماعة على أن يكون وفيّاً لها حتى لو كانت مخالفة للمنطق، لكن أن تحدث التوأمة بين دولة وجماعة، وبين نظام حكم وتنظيم، وبين مجتمع وفئة من البشر متناثرة في العالم وينتمي أفرادها إلى بلدان مختلفة وثقافات متباينة وأنماط سلوك متغيرة، فإنها بالفعل ظاهرة غير مسبوقة.

تتطابق مواقف جماعة "الإخوان" مع توجهات النظام القطري وتصرفاته وسياساته تماماً، ولم يصدر عن الجماعة قط، على مدى عقدين، رأي أو موقف أو قرار يخالف أو يعارض أو ينتقد قطر أو تصرفاتها، وإذا ما ظهر في العلن أو كشف عن تورط الدوحة في أمر يخالف المبادئ التي دأبت جماعة "الإخوان" على تصديرها للناس، كالهجوم على التطبيع، عند زيارة مسؤول إسرائيلي للعاصمة القطرية مثلاً، فإن الأذرع الإعلامية للجماعة تتجاهل التعليق على الحدث ولا تتناوله، وإذا وجدت الجماعة نفسها مضطرة فإنها دائماً تلجأ إلى تبريره، بل أحياناً تسعى إلى إقناع الأمة بأنه يأتي في مصلحتها! بوصلة "الإخوان" تتجه دائماً نحو الدوحة، وصار على كل إخواني، مقيم في أي مكان في العالم، أن يدافع عن قطر وأن يبرر سلوكها وأن يهاجم دائماً الدول التي تعارض السياسات القطرية.

في المقابل فإن الدوحة تقدم دعماً مالياً ولوجستياً واستخبارياً غير محدود إلى الجماعة وتحتضن رموزها وتوفر لهم الحماية وتمنحهم الإقامات والجنسية، وتسعى إلى تبييض وجوههم وتنفي عن التنطيم دائماً صلته بالإرهاب، وتدفع أموالاً طائلة إلى مكاتب المحاماة في العالم لتتبنى قضايا متهم فيها عناصر "الإخوان"، أو للإنفاق على إجراءات حصولهم على اللجوء السياسي في هذه الدولة أو تلك، كما أن المنصات الإعلامية التي أسستها قطر، سواء في الدوحة أم في أنقرة أم في لندن أم في غيرها من مدن العالم، توفر فرص عمل لـ "الإخوان" الفارين خارج دولهم، والمراكز البحثية والمنظمات الحقوقية التي اخترقها "الإخوان" في أميركا وأوروبا تعمل بأموال قطرية وتدافع عن سياسات الدوحة وجرائم "الإخوان" في آن ضد كل الأطراف التي تعتبر الجماعة مجرد تنظيم إرهابي وترى في الدوحة دولة داعمة للإرهاب.

إنها علاقة نفعية بين الإمارة والجماعة تتضمن الاتفاق على توجيه الأذى إلى كل من يكشف علاقة قطر بالإرهاب والإرهابيين. وصلت الحال إلى أن "الإخوان" صاروا يعتقدون أن الجماعة يمكن أن تندثر أو تتصدع أو تفقد ثقلها تماماً، إذا توقفت قطر عن دعم الإرهاب. أما النظام الحاكم في الدوحة فيرى في انتشار "الإخوان" في أرجاء العالم واختراقهم مؤسسات دول وحكومات وتركيبتهم القائمة على تلبية أوامر قادتهم، ما يمكنه من استغلالهم كسفراء أو جواسيس، واستخدامهم في أي وقت للتخديم على السياسات القطرية والإيحاء بأن لدى الدوحة مؤيدين في أنحاء العالم وأن الرأي العام الدولي في صفها.

يمثل "الإخوان" رأس الحربة في الهجوم على السعودية والإمارات والبحرين ومصر، وهي الدول المعارضة لدعم قطر للإرهاب، حتى أصبح الشخص الإخواني يعتقد أنه لن يدخل الجنة إلا إذا سب قادة الدول الأربع كل صباح، أو بحث في مستنقع "الميديا" الغربية طول النهار عن ما يسيء إلى الدول الأربع وشرع في تسويقه ونشره! كثيرون من الشيوعيين في العالم ظلوا يدينون بالولاء إلى مركز الحكم في موسكو على مدى عقود إلى أن سقطت الشيوعية، وأعداد غير قليلة من الليبراليين مازالوا يجدون في الغرب مصدراً لمبادئ التحرر والليبرالية، لكن القياس مختلف، فلا "الإخوان" ينتمون فكرياً إلى الدوحة، ولا قطر بالأساس تملك عقيدة فكرية بعينها، لكنه تحالف يعتقد كل من طرفيه أن بقاءه صار مرهوناً بدعم الآخر وكذلك توجيه الأذى إلى الآخرين!

نقلا عن الحياة اللندنية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإمارة والجماعة الإمارة والجماعة



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon