توقيت القاهرة المحلي 10:11:51 آخر تحديث
  مصر اليوم -

فرنسا ومصير الثورات

  مصر اليوم -

فرنسا ومصير الثورات

بقلم ـ محمد صلاح

من المنطقي أن تحظى الأوضاع في فرنسا باهتمام المواطن العربي، خصوصاً في الدول التي عصف بها الربيع العربي ودمر البنية التحتية فيها وضرب البنية المجتمعية لأبنائها، أو الدول التي نجت من الدمار أو قاومت الخراب، أو تلك التي لازالت تدفع ثمن تورط الناشطين فيها في التحالف مع جماعات أو تنظيمات، كالإخوان مثلاً، في نشر الفوضى والوقيعة بين مؤسسات الدولة وفئات المجتمع أو طوائفه. يرقب المواطن العربي سلوك أصحاب «السترات الصفراء» في فرنسا ويقارن بينه وبين أفعال المحتجين في بلاده، حين استجابوا لتحريض جماعات خارجية لها مصالح، وتنظيمات ونشطاء في الداخل لهم حسابات وأهداف وأطماع وطموحات، كما يرصد ردود فعل الحكومة الفرنسية والرئيس ماكرون ويقارن بينها وبين ردود فعل الحكومات العربية والرؤساء الذين ضربت رياح الربيع العربي، قبل سنوات، بلادهم. كما يهتم المواطن العربي وبشدة بمواقف أطراف لعبت أدواراً مهمة في تفجير الاحتجاجات في بلاده وتوجيهها وتحريض الناس وتأجيج المشاعر والصيد في كل مياه عكرة لإفساد أي محاولة لتهدئة الغاضبين وكبح جماح الثائرين، ويلاحظ أن الأطراف نفسها بدّلت من مواقفها وغيّرت من مفرداتها وأنماط سلوكها وسياساتها وأفعالها تجاه ما يجري في فرنسا، فوسائل الإعلام التي تملكها قطر، أو تحركها وتنفق عليها والتي لم تفوت، ولاتزال، أي فرصة إلا وانتهزتها من أجل الإساءة إلى الحكام العرب وتحريض الجماهير ضدهم، لم يكن الحدث الفرنسي على أولوية اهتمامها وتقاريرها وبرامجها، والإخوان الذين احتلوا الاستديوهات في القنوات التركية ولازالوا يسعون إلى إحياء الربيع العربي بعد موته، سعوا إلى استغلال الأوضاع في فرنسا لتحفيز الشعوب العربية بأي شكل لإعادتهم إلى الشوارع والميادين دون التركيز على الحدث الفرنسي نفسه، وعشرات المنظمات الحقوقية والمراكز البحثية الغربية لازالت تراوح مكانها؛ إما بتكرار التقارير عن قضية خاشقجي أو ريجيني. أما هؤلاء الناشطون الذين سطعوا وبرزوا وتوهجوا مع الربيع العربي واحتضنتهم الدوائر الغربي وصاروا نجوماً لدى الآلة الإعلامية القطرية واحتفى بهم الإخوان وروجوا كلامهم ونظرياتهم، فلم يهتموا كثيراً بما يجري في فرنسا إلا من زاوية واحدة، مفادها أن ثورات الشعوب ضرورة حتمية.

كان من الطبيعي أيضاً أن يهتم المواطن العربي بالاطلاع على رأي من وصفوه بـ «عراب الربيع العربي» وهو الفيلسوف الفرنسي برنار هنري ليفي، الذي كان حاضراً في أحداث الربيع العربي؛ إما منظراً ومحرضاً ومؤيداً، أو حتى في الشوارع والميادين وبين جموع المتظاهرين محمساً لهم موجهاً لحركاتهم وتحركاتهم ومشعلاً لمشاعر غضبهم، لكن المفاجأة أن الرجل لم يعد متحمساً للثورة أو مؤيداً للغاضبين بل منتقداً وحزيناً على سلوك أصحب «السترات الصفراء» ومديناً لأفعالهم ومشبهاً إياهم بأصحاب «القمصان السوداء» في إيطاليا ثلاثينات القرن الماضي.

ليفي الذي كان يرى أن ضحايا الثورات العربية هم وقودها صار يتباكى على سقوط ضحايا في شوارع فرنسا، وهو عبر عن غضبه لوقوع أضرار مادية في المنشآت العامة والخاصة وبعض معالم العاصمة الفرنسية جراء الاحتجاجات!! ودعا في مقالة نشرت في صحيفة «لوبوان» أصحاب «السترات الصفراء» إلى «التعاون مع الشرطة الفرنسية خلال الاحتجاجات من أجل توقيف أصحاب «السترات السوداء» قاصداً مرتكبي حوادث العنف ولصوص المحلات، وقال: «ليس هناك شك في أن اللصوص من اليمين المتطرف واليسار المتطرف سيظهرون مرة أخرى بتخريبهم وإرهابهم وتدنيسهم»، عراب الربيع العربي لم يبدل كلامه أو موقفه أو آراءه لكون الحدث هذه المرة يؤثر على بلده ومجتمع وشخصه فقط، وإنما أيضاً تنصل من تاريخه في دعم حركات الاحتجاج والترحيب باستخدام العنف لقلب أنظمة الحكم، ووصل به الحال إلى مطالبة أصحاب السترات الصفراء بالتحلي بالشجاعة «لوقف الاحتجاجات وإبعاد المتطرفين». على أساس أن السماح للكراهية المتحمسة أن تتفوق على الأخوة هو اختيار للتدمير لا الإصلاح ولن يجلب سوى الفوضى». ليفي نفسه الذي لم يتوقف عن تحريض الشعوب العربية للثورة على أنظمة الحكم حتى لو بالعنف، وجال بين دول عربية عدة لشحذ الجماهير وإظهار دعم الغرب للاحتجاجات، خلص في حديثه إلى الفرنسيين إلى أن عدم الاستجابة إلى نصائحه بالنسبة لأصحاب «السترات الصفراء» «سينتهي بهم المطاف إلى مزبلة التاريخ»، أي المكان نفسه الذي كان عراب الربيع العربي يريد أن يلقينا فيه.

نقلا عن الحياة 

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فرنسا ومصير الثورات فرنسا ومصير الثورات



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon