بقلم : محمد صلاح
بعد مرور أكثر من سنة على قرار الدول الأربع: السعودية ومصر والإمارات والبحرين مقاطعة قطر لدعمها الإرهاب وتبنيها سياسات ضارة ومؤذية للدول العربية، والسماح لإرهابيين ومتطرفين بالإقامة في الدوحة، إضافة إلى أسباب أخرى كلها تتعلق بتهديدها للأمن القومي العربي، لم تفعل قطر أي شيء لحل أزمتها مع الدول الأربع سوى تكرار خطاب المظلومية، وتسول تدخل غربي على خط الأزمة، أملاً في الضغط على الدول الأربع علها تقبل بالتنازل عن مطالبها وترك قطر تدعم الإرهاب والإرهابيين!
وفي الوقت نفسه فإن الدوحة واصلت ارتكاب الأخطاء والجرائم ذاتها بل زادت باستهداف رموز الدول الأربع بإساءات بالغة، إضافة بالطبع لـ «الشغل» المعتاد للآلة الإعلامية القطرية واللجان الإلكترونية الإخوانية، التي تتفانى في تنفيذ التوجيهات والأوامر وتجتهد في نشر الفتن وتحريض الشعوب واختلاق الأكاذيب وترديدها، وفبركة الأفلام والمشاهد المصورة والأخبار والمعلومات إما لتحسين صورة الدوحة وتشويه الدول الأربع، أو لنشر خطاب الكراهية والإحباط بين الشعوب وانتهاز كل فرصة أو مناسبة لإحداث وقيعة بين دولتين من الدول الأربع أو بينها جميعاً بعضها البعض! وسواء كان الحدث سياسياً أو اقتصادياً أو حتى رياضياً، فإن الأموال القطرية تنفق من أجل الإساءة للدول الأربع المقاطعة لها مجتمعة أو منفردة. لاحظ كيف تتعاطى المنصات الإعلامية القطرية واللجان الإلكترونية الإخوانية والقنوات التلفزيونية التركية مع المشاركات العربية في فعاليات كأس العالم لكرة القدم الذي سينطلق اليوم في روسيا، إذ لا تبكي غياب المنتخب القطري ولا تحاسب المسؤولين عن الرياضة هناك لتقصيرهم أو فشلهم في تجنيس لاعبين أكفاء من دول أخرى، ليقودوا المنتخب القطري للوصول إلى المونديال حتى لو بأسماء تمثل فضيحة عندما يتم تداولها على الملأ، ويظهر أن أصحابها لا يعرفون الدوحة ولا أي مدينة قطرية أخرى! وإنما تنعي مشاركة مصر والسعودية في المونديال وتسعى بكل الطرق والوسائل والحيل والأكاذيب إلى استغلال الحدث للوقيعة بين الشعبين المصري والسعودي.
صحيح أن النموذج الإخواني يعيش على نشر الإحباط والطاقة السلبية بين الناس ويكره أن يرى شعباً مبتهجاً، لكن الدوافع الشريرة لدى قطر أكبر من ذلك، فحشدت كل الجهود والأموال للاصطياد في مياه المشجعين المتعصبين وانتهاز الفرص للانتقاص من الدولتين أو الوقيعة بينهما، وإشعال النار بين جماهير المنتخبين وصب مزيد من الزيت فوق حرارة التشجيع الكروي أملاً في أزمة سياسية تعتقد قطر أنها قد تضعف موقف التحالف الرباعي المعارض لسلوك الدوحة ودعمها للإرهاب!
يدرك «أهل الشر» ومخططو حملات الكراهية ومحترفو صناعة المؤامرات أن طبيعة بعض مشجعي الكرة هي الاندفاع والغلو والتعصب، ولأن قرعة كأس العالم جعلت منتخبي مصر والسعودية يتنافسان في مجموعة واحدة، فإن الدوحة اعتبرت الصيد ثميناً فمارست منذ شهور لعبة تحويل النقاش إلى عراك وعبارات التشجيع إلى شتائم وسباب وسعت لتطوير الحماسة إلى كراهية. صحيح أن بعض الجماهير انساقت، أو قل انخدعت، لكن المدهش أن غالبية الجماهير المصرية والسعودية فطنت اللعبة، واستغربت لماذا أقحمت الدوحة ومنصاتها الإعلامية وبعض الناشطين والثورجية، ممن امتطتهم جماعة الإخوان المسلمين أنفسهم محفلاً رياضياً عالمياً لا علاقة له بقطر أو الإخوان أو السياسة من الأساس، فكانت ردود غالبية المصريين والسعوديين على السياسات التحريضية القطرية على مواقع التواصل الاجتماعي تسخر من الغياب القطري عن المونديال، ولو بمنتخب من المجنسين.
تجاوزت مصر والسعودية خلال السنة الأخيرة معضلات سياسية بالغة التعقيد في عالم تتشابك فيه المصالح وتتصاعد فيه الصراعات، وحين جاء موعد المونديال سارع «أهل الشر» إلى تشكيل لجان إلكترونية للفتنة وجيشوا القنوات لإطلاق وترويج اشاعات، بينما قسم الإخوان أنفسهم إلى قسمين، لتبادل الشتائم في مواقع المشجعين، لتسخين الأجواء وزرع الفتن، وبينما سعت الأجهزة الرسمية في مصر والسعودية إلى تحقيق مناخ للشعبين للمشاهدة والاستمتاع، تسعى الدوحة بأي شكل إلى التخريب وإفساد المشاهدة ومنع الاستمتاع.
نقلًا عن الحياة اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع