توقيت القاهرة المحلي 16:08:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

بهلوانيات المشهد السوداني!!

  مصر اليوم -

بهلوانيات المشهد السوداني

بقلم - عثمان ميرغني

«إعلان نيروبي» الذي وقعه الدكتور عبد الله حمدوك رئيس الوزراء السابق ورئيس تنسيقية القوى المدنية (تقدم)، يوم السبت الماضي مع رئيسي اثنتين من الحركات المسلحة هما عبد الواحد محمد نور رئيس حركة تحرير السودان، وعبد العزيز الحلو رئيس الحركة الشعبية - شمال، أثار جدلاً وملاحظات كثيرة. استغربت مثل كثيرين عندما أعلن عن أن الاتفاق كان ثلاثياً، في حين أن الوثيقة التي انتشرت احتوت على توقيعَي حمدوك وعبد الواحد فقط. تساءل الناس لماذا ظهر الإعلان المتداول موقعاً باسمين فقط في حين أن الحلو كان موجوداً وظهر في الصور مع الطرفين الآخرين؟

الغموض لم يدم طويلاً، إذ سرعان ما تبين أن حمدوك وقع الإعلان ذاته مرتين مرتدياً قبعتين مختلفتين: مرة مع عبد الواحد بقبعة بصفة رئيس الوزراء السابق، ومرة مع الحلو بقبعة بصفة رئيس تنسيقية «تقدم». لماذا كانت هذه الازدواجية؟

الرد جاء في تصريحات لاحقة على لسان كمال عبد العزيز القيادي بحركة عبد الواحد والذي أوضح في تصريح لـ«المحقق» أن الحركة لم توقع مع حمدوك بصفته رئيساً لتنسيقية «تقدم» لأنها ترفض الاتفاق مع كيانات تدعو للاصطفاف، على حد تعبيره. ومضى قائلاً: «لا نريد أن ندخل في هذه الاصطفافات التي كانت سبباً في المشاكل التي انتهت بالبلاد إلى هذه الحرب». وفسر ذلك بقوله إن قوى إعلان الحرية والتغيير (قحت) هي ذاتها «تقدم»، «وسبق وأن رفضنا الاصطفاف مع (قحت)، ونرفضه الآن مع (تقدم)».الغريب أن عبد الواحد محمد نور عندما التقى حمدوك للمرة الأولى في باريس في سبتمبر (أيلول) 2019 بترتيب من الرئاسة الفرنسية رفض آنذاك مقابلته بصفته رئيساً للوزراء، وقال وقتها إنه وافق على لقائه «ليس كرئيس حكومة بل كفرد وشخصية سياسية في البلاد».

اليوم يعود عبد الواحد ليوقع مع حمدوك إعلان نيروبي بصفة رئيس الوزراء السابق التي رفض الاعتراف بها سابقاً. إنها بهلوانيات المسرح السياسي الراهن!

الإعلان في نسخته الأخرى التي وقعها حمدوك بصفته رئيساً لتنسيقية «تقدم» يثير أيضاً إشكاليات توحي بأن الرجل تصرف بشكل منفرد بدليل أن حزب الأمة القومي، وهو طرف أساسي في مكونات «تقدم»، أبدى اعتراضه على فقرات أساسية وردت فيه. فقد أعلن الحزب في بيان أصدره هذا الأسبوع أن الإعلان تضمن قضايا خلافية محل بحثها في المؤتمر القومي الدستوري لا سيما «طبيعة الدولة، ومسألة الدين والدولة، والهوية ونظام الحكم».

من هذه القضايا الخلافية ما ورد في الفقرة الرابعة (د) التي نصت على «تأسيس دولة علمانية» في السودان، وهو أمر حساس أثار ويثير الكثير من الخلافات والجدل، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تقرره أطراف إعلان نيروبي نيابة عن الشعب السوداني وبمعزل عن الأطراف والقوى السياسية والمدنية والمجتمعية الأخرى.

خاض الإعلان في قضايا هوية الدولة وطبيعتها وشكل الحكم في فقرات أخرى أيضاً تتحدث عن الوحدة الطوعية والحكم الفيدرالي و«ضمان فصل الهويات الثقافية والإثنية والدينية والجهوية عن الدولة». المصيبة أن أطراف الإعلان الثلاثة قرروا أنه «في حال عدم تضمين هذه المبادئ في الدستور الدائم، يحق للشعوب السودانية ممارسة حق تقرير المصير»، وهذه بلا شك صياغة ملغومة تحاول أن تملي على الناس القبول بهذه المقررات وتضمينها في أي دستور قادم، وإلا فإن البديل هو التقسيم وحق تقرير المصير لكل «الشعوب السودانية»! وحتى بالنسبة للطاولة المستديرة التي يفترض أن تناقش فيها هذه القضايا، فإن إعلان نيروبي جعلها محصورة على القوى الوطنية التي تؤمن بالمبادئ الواردة فيه، ما يعني استبعاد القوى السياسية والمدنية والمجتمعية التي قد لا تتفق مع نقاط أساسية فيه.

الإعلان تضمن أيضاً نقطة خطيرة أخرى عندما نص في الفقرة 4 (هـ) على «تأسيس منظومة عسكرية وأمنية جديدة»، وهو ما يفهم على أنه دعوة لتفكيك القوات المسلحة وتشكيل جيش جديد، ما يعد تجاوزاً لكل التفاهمات السابقة بين الأطراف المدنية والعسكرية سواء في الفترة الانتقالية أو ما بعدها بما في ذلك إعلان أديس أبابا الذي وقعه حمدوك ذاته مع قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو.

هناك نقاط أخرى مثيرة للجدل لا يتسع المجال هنا لذكرها، لكن الإعلان بشكله هذا لن يكون عاملاً مساعداً في لملمة الصفوف، بل يزرع المزيد من بذور الخلافات في الساحة الملتهبة أصلاً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بهلوانيات المشهد السوداني بهلوانيات المشهد السوداني



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon