توقيت القاهرة المحلي 11:19:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

السودان أمام منعرج خطير!

  مصر اليوم -

السودان أمام منعرج خطير

بقلم - عثمان ميرغني

 

بينما أنظار العالم مشدودة نحو حرب غزة، انزلقت حرب السودان نحو منعطف خطير، بل الأخطر منذ اندلاعها قبل سبعة أشهر. المذهل أن هذا الأمر يحدث في الوقت الذي انطلقت فيه مفاوضات جدة تحت رعاية الميسرين: السعودية والولايات المتحدة وبمشاركة ممثل للاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد) هذه المرة.

هناك مَن رأى أن الجيش وقوات الدعم السريع سعيا لتعزيز مواقعهما على الأرض لدعم موقفيهما في التفاوض. لكن الواقع لم يكن كذلك، إذ إن الجيش كان في موقف دفاعي، بينما قوات الدعم السريع وسّعت هجماتها في دارفور وحققت مكاسب، لم تغير من المعادلات فحسب، بل وضعت السودان أمام مجهول خطير.

للمرة الأولى تبدو احتمالات التقسيم خطراً ماثلاً، وليس مجرد توقعات وتحذيرات على الورق. الأدهى والأخطر أن هذا الأمر لو حدث فلن يعني نهاية الحرب، لأنها لن تتوقف في دارفور، وستمتد إلى ولايات أخرى، أولها كردفان المشتعلة، قبل أن تعود مرة أخرى إلى الخرطوم، بشكل أعنف.

الكثير يتوقّف الآن على مفاوضات جدة، فنجاحها سيعطي الناس فسحة للتفكير والتدبر في كيفية إنقاذ البلد من أخطر محنة وجودية يعرفها منذ استقلاله. والمقصود بالنجاح هنا هو تنفيذ ما اتُّفق عليه سابقاً من خروج قوات الدعم السريع من منازل المواطنين والمناطق السكنية والمؤسسات والمرافق الخدمية. أما الفشل، فسوف يقود حتماً إلى توسع المواجهات، واشتدادها، وامتدادها نحو مناطق أخرى.

المكاسب التي حققتها قوات الدعم السريع بعد تلقيها مساعدات هائلة في العتاد وفي وصول مقاتلين من دول أخرى، لم تكن عسكرية فحسب، بل كان الواضح أن فيها حسابات أخرى لوضع اليد على مرافق اقتصادية واستراتيجية مهمة مثل حقل بليلة النفطي في ولاية غرب كردفان. هذا الأمر تمكن قراءته من زاويتين؛ الأولى أن قوات الدعم السريع لم تفكر فقط في محاولة بسط سيطرتها على إقليم دارفور الذي تعادل مساحته مساحة فرنسا تقريباً، بل وسّعت معاركها في إقليم كردفان أيضاً، بمعنى أن الانفصال إذا حدث وكان هذا هو المخطط، فإنه لن يكون في سلخ دارفور وحدها، بل بالتمدد في كردفان أيضاً والسيطرة على ثرواتها، بما يعني النفط والصمغ العربي والثروة الحيوانية، ناهيك بالطبع عن البعد الاستراتيجي لهذه المناطق.

الزاوية الأخرى، أن السيطرة على دارفور وأجزاء من كردفان، وإعلان حكومة من نيالا موازية للعاصمة القومية في الخرطوم، لا يعنيان نهاية المخطط المرسوم، ولا نهاية الحرب، بل سيكون ذلك استنساخاً للسيناريو الليبي الذي أفرز حرباً مفتوحة، وأبقى المجال واسعاً أمام التدخلات الأجنبية مع استمرار تفكير كل طرف في أنه قد تأتي لحظة يتمكن فيها من دحر الآخر.

قبل هذه التطورات الأخيرة كان الناس يتساءلون عن أن قوات الدعم السريع لو رضخت للمطالب بخروجها من بيوت وأحياء المواطنين في الخرطوم، ومن المنشآت الحيوية والخدمية التي سيطرت عليها، فإلى أين ستتوجه. الآن بات واضحاً أن هذا الخروج إذا تم ضمن أي اتفاق لوقف النار فإنها ستتجه نحو دارفور.

ليس سراً أن هناك أطرافاً لا تمانع في «الخلاص» من دارفور بوصفها بؤرة مشاكل لا تتوقف، وربما تهلل للأمر الآن إذا كان هذا هو الثمن لوقف الحرب واستعادة الحياة في الخرطوم. هذا التفكير مقصور على رؤية الصورة الحقيقية بكل أبعادها وخطورتها. انفصال دارفور في تقديري لن يعني نهاية مشاكل السودان، وسيندم الناس عليه، إن حدث، أكثر مما ندموا بعد انفصال الجنوب، الذي خطط وهلل له كثيرون وقتها. دارفور ليست متجانسة، ولا متعايشة، ولو انفصلت فسوف تظل بؤرة لعدم الاستقرار الذي سيمتد إلى أجزاء أخرى. كذلك فإن هذا الانفصال الجديد سيقود إلى انقسامات أخرى لأن الطامعين سيرونها فرصة والسودان ضعيف ومثخن بالجراح والأزمات الهائلة جراء الحرب. أضف إلى ذلك أن دارفور ذاتها قد تصبح منصة لمحاولة السيطرة على أجزاء أخرى من البلد، أو حتى العودة إلى الخرطوم ذاتها ضمن مشروع كبير يضع السودان وأهله وخيراته تحت أيادي المتآمرين والعابثين والطامعين.

أبعد من ذلك، فإن السودان سيكون أضعف كثيراً لو سلخت منه دارفور. لا أعني تقزيمه من حيث المساحة والقوة البشرية، بل أيضاً من حيث الثروات والإمكانات الاقتصادية الهائلة التي يوجد أكثرها في دارفور وكردفان.

إلى أين ستتجه الأمور؟

ستكون هناك عين على جدة وما إذا كانت المفاوضات ستقود إلى اتفاق حقيقي بوقف النار يبدأ من الالتزام بتنفيذ البنود المتفق عليها سابقاً، مع عدم القيام بأي عمليات عسكرية جديدة. إذا حدث ذلك فإنه سيفتح الباب أمام مناقشة أمور أخرى شائكة، بما فيها مستقبل «الدعم السريع»، وملف الدمج في القوات المسلحة، لا سيما بعد كل ما حدث في هذه الحرب.

العين الأخرى ستكون على التطورات العسكرية وبشكل خاص في غرب البلاد. فإذا واصلت قوات الدعم السريع عملياتها وهاجمت الفاشر ومدناً أخرى، فإن هذا سيعني أنها ماضية في خطة السيطرة على دارفور وأجزاء من كردفان، وهذا لن يكون فقط نهاية أي اتفاق بالتفاوض، بل سيقود إلى جولة جديدة أعنف من القتال، تتغير فيها تكتيكات الجيش من الدفاع إلى الهجوم، لأنه لن تكون أمامه خيارات أخرى لاستعادة مواقعه وهيبته ومنع تفكك السودان، كما أقر بذلك الفريق البرهان في تصريحاته الأخيرة.

أين الأطراف المدنية من كل ذلك؟

الحقيقة أن النخب التي تتحمل مسؤولية كبيرة فيما آلت إليه الأمور، لا تزال مشغولة بحروب كلامية لا تنتهي، بينما الحرب تقضي على الأخضر واليابس. تدخل على مواقع التواصل الاجتماعي فترى الجدل العقيم ذاته والتفكير الإقصائي بين الإسلاميين وخصومهم، الذي حوّل الأمور وكأنها مباراة على لوحة شطرنج، وليست مصير بلد يترنح تحت وطأة هذه الكارثة التي حلت به، والأطماع المحيطة به من كل اتجاه. هذا التجاذب، أو هذا الاستقطاب الحاد لم يحبط الثورة، ويفشل الفترة الانتقالية فحسب، بل أسهم بالتأكيد في الشحن والتأجيج الذي قاد إلى الحرب. وإذا لم يحكم الناس عقولهم، واستمروا في طريق المعادلات الصفرية، والصراعات الاستقصائية، فإنهم سيتحملون مسؤولية وطن يوشك أن يضيع.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السودان أمام منعرج خطير السودان أمام منعرج خطير



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:11 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
  مصر اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 11:23 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
  مصر اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 04:54 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الجيش السوري يعلن وصول تعزيزات كبيرة لمدينة حماة
  مصر اليوم - الجيش السوري يعلن وصول تعزيزات كبيرة لمدينة حماة

GMT 10:32 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

ياسمين رئيس في لفتة إنسانية تجاه طفلة من معجباتها
  مصر اليوم - ياسمين رئيس في لفتة إنسانية تجاه طفلة من معجباتها

GMT 11:08 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
  مصر اليوم - الكشف عن قائمة بي بي سي لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 23:04 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

رونالدو يحرز الهدف الأول لليوفي في الدقيقة 13 ضد برشلونة

GMT 06:59 2020 الأربعاء ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تونس تتأهل إلى نهائيات "أمم أفريقيا" رغم التعادل مع تنزانيا

GMT 05:53 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

موضة ألوان ديكورات المنازل لخريف وشتاء 2021

GMT 09:41 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

حسام حسن يعلن قائمة الاتحاد السكندري لمواجهة أسوان

GMT 03:51 2020 الأحد ,18 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الدفاع يشهد المرحلة الرئيسية للمناورة ”ردع - 2020”

GMT 04:56 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

فنادق تعكس جمال سيدني الأسترالية اكتشفها بنفسك

GMT 23:44 2020 الأربعاء ,09 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تغلق التعاملات على تباين

GMT 11:46 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

جوارديولا يهنئ ليفربول بـ كأس الدوري الإنجليزي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon