توقيت القاهرة المحلي 12:17:41 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«منبر جدة» والتوافق السوداني المفقود

  مصر اليوم -

«منبر جدة» والتوافق السوداني المفقود

بقلم - عثمان ميرغني

ليس من الواضح حتى الآن ما إذا كانت المفاوضات السودانية تحت راية «منبر جدة» سوف تعقد في السادس من مايو (أيار) المقبل مثلما تردد في أعقاب تصريحات المبعوث الأميركي توم بيريلو بعد اجتماعه مع نائب وزير الخارجية السعودي، وليد الخريجي، على هامش مؤتمر باريس الإنساني منتصف الشهر الحالي.

حتى الآن لم تصدر أي معلومات رسمية من الجانب السوداني عن المفاوضات وما إذا كانت هناك دعوة رسمية صدرت ووصلت، بل انتشرت تكهنات حول جولة جديدة من المفاوضات السرية في المنامة قال البعض إنها لو صحت فسوف تكون تمهيداً لاستئناف «منبر جدة». المشكلة تبقى في غياب المعلومة الرسمية أو تأخرها؛ وهو الأمر الذي لازم الأداء الحكومي في المجال الإعلامي منذ بداية الحرب.

بانتظار اتضاح الرؤية، فإن السؤال ليس هو ما إذا كان «منبر جدة» سينعقد بداية مايو أم لا، بل ما هي فرص النجاح في ظل تعثر جولتين سابقتين نتيجة عدم الالتزام بما تم الاتفاق عليه؟

عندما تعثرت مفاوضات الجولة الثانية وعُلّقت في أوائل ديسمبر (كانون الأول) الماضي، كانت الظروف الميدانية مختلفة وربما فرص التوصل إلى اتفاق أفضل مما هي عليه الآن. فمنذ ذلك التاريخ تمددت «قوات الدعم السريع» ودخلت إقليم الجزيرة بعد انسحاب الفرقة الأولى مشاة من مدني في ظروف مثيرة للحيرة تدور حولها أسئلة كثيرة، وما زال الناس في انتظار نتائج تحقيق الجيش بشأنها. صحيح أن القوات المسلحة استطاعت تحرير مناطق عديدة في العاصمة وبشكل خاص في مدينة أم درمان، إلا أن استمرار بقاء ولاية الجزيرة في يد «الدعم السريع» يجعل عودة الجيش إلى أي نوع من المفاوضات لوقف النار، أمراً صعباً. ولعل تمدد الحرب من خلال المسيّرات التي استهدفت مدينة عطبرة ثم مدينة شندي يعكس حجم هذه التعقيدات المتزايدة.

كل تصريحات قادة الجيش السوداني في الآونة الأخيرة اتخذت خطاً متشدداً في مسألة التفاوض وركزت على مواصلة العمليات العسكرية. بل إن الفريق عبد الفتاح البرهان في مخاطبته أخيراً الضباط والجنود بمنطقة أم درمان العسكرية دعاهم إلى عدم التأثر بأي تشويش قائلاً إنه لن يكون هناك سلام أو مفاوضات، وإن الحل الذي توافقوا عليه هو الحسم العسكري.

في ظل هذا الوضع، فإنه حتى لو عاد الجيش للمفاوضات تحت أي ضغوط، فإن فرص النجاح ستكون ضئيلة، والسعودية من واقع خبرتها تدرك ذلك، ومن هنا كانت تتريث في عقد جولة جديدة لـ«منبر جدة»، على عكس المبعوث الأميركي الذي من فرط حماسه كان قد سارع لإعلان استئناف المفاوضات في 18 أبريل (نيسان) الحالي، وهو ما اتضح لاحقاً أنه كان تفكيراً متفائلاً أكثر مما يجب، وأن ذلك الموعد لم يحدث تشاور كافٍ أو اتفاق بشأنه. اللافت أن بيريلو ذاته لم يعطِ فرص نجاح الجولة الجديدة للمفاوضات أكثر من 50 في المائة، وهي نسبة يغلب عليها الحذر الذي فرضته تعقيدات المشهد.

«منبر جدة» الذي انطلق في جولته الأولى في 6 مايو 2023 حصر جهده وتركيزه في موضوعات محددة، هي تسهيل وصول المساعدات الإنسانية وتوزيعها، والتوصل إلى هدنة وتطبيق إجراءات لبناء الثقة تمهد الطريق للتوصل إلى وقف دائم للعدائيات. وكان التفكير أن تلك الخطوات ستكون نقطة الانطلاق في ما بعد لمحادثات سياسية بين السودانيين أنفسهم لوضع الحل الذي يعيد البلاد إلى سكة الانتقال الديمقراطي. لكن عدم الالتزام بما تم التوقيع عليه في إعلان جدة، أدى إلى تعليق المفاوضات نحو أربعة أشهر قبل أن تعود في جولة ثانية في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وضمت إليها في تلك الجولة الهيئة الأفريقية للتنمية (إيغاد) كي تكون ممثلاً مشتركاً عن الاتحاد الأفريقي أيضاً. وفي هذه الجولة تم الاتفاق على إجراءات والتزامات محددة لبناء الثقة وتنفيذ ما اتفق عليه سابقاً، مع ملاحظة أن الطرفين لم يتمكنا من التوصل إلى أي اتفاق لوقف النار هذه المرة.

وعلى الرغم من أن ما تم التوصل إليه في الجولة الثانية كان أقل من الأولى، فإنه لم يتحقق منه شيء؛ مما جعل الميسّرين يقررون في ديسمبر الماضي تعليق المفاوضات مرة أخرى، مع قناعة بأنه لا جدوى من استئنافها ما لم يحدث ما يجعل الطرفين مستعدين ليس للتفاوض فحسب، بل لتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه.

هل وصلنا الآن إلى ما يجعلنا متفائلين بأن المفاوضات في حال استئنافها ستكون فرصها أفضل؟ ليس في المشهد ما يوحي بذلك. فالعمليات العسكرية في تصاعد، و«قوات الدعم السريع» تستمر في التحشيد لمهاجمة المزيد من المواقع، بينما الجيش يبدو مصمماً على استعادة ولاية الجزيرة وتكثيف عملياته لاستعادة السيطرة في العاصمة.

هناك من يرى أن الأوضاع الإنسانية ستكون ورقة ضغط أساسية على الطرفين، وأن مؤتمر باريس الإنساني مهّد لذلك، مع تلويح أميركي وأوروبي باستخدام سلاح العقوبات للضغط على الطرفين. الحقيقة أن العقوبات لم تكن كافية في كل التجارب الماضية، في السودان أو في دول أخرى، لتغيير الموازين بالشكل الذي يريده واضعوها.

هناك أيضاً من يرى أن توسيع المفاوضات بضم أطرافاً إقليمية جديدة، قد يكون عاملاً مساعداً في الضغط على الجيش و«قوات الدعم السريع» لوقف القتال. في تقديري أن توسيع المفاوضات سيكون خطوة غير موفقة تؤدي إلى تعقيدها أكثر مما هي معقدة؛ لأنه سيضيف أطرافاً تتهمها الحكومة السودانية بالاصطفاف مع «قوات الدعم السريع» ودعمها سياسياً وعسكرياً.«منبر جدة» برعاية السعودية والولايات المتحدة يبقى المنبر الوحيد الذي عليه وعلى طرفيه توافق، ودوره يبقى محصوراً في تيسير التفاوض وما يساعد في إنجاحه، لكن الحل في النهاية بأيدي السودانيين أنفسهم إذا عرفوا طريقهم لتوافق وطني يخرِج البلد من هذه المحنة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«منبر جدة» والتوافق السوداني المفقود «منبر جدة» والتوافق السوداني المفقود



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان

GMT 12:50 2019 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

علالو يؤكّد الجزائر "تعيش الفترة الأهم في تاريخ الاستقلال"

GMT 04:46 2019 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

اتجاهات ديكور المنازل في 2020 منها استخدام قطع أثاث ذكي

GMT 00:42 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بدء تصوير فيلم "اهرب يا خلفان" بمشاركة سعودية إماراتية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon