توقيت القاهرة المحلي 21:30:50 آخر تحديث
  مصر اليوم -

السودان تحت وصاية دولية!

  مصر اليوم -

السودان تحت وصاية دولية

بقلم - عثمان ميرغني

أحتار من أولئك الذين يستدعون التدخلَ الخارجي في بلدانهم، ويدبّجون المرافعات لتبرير هذا التدخل بوصفه الحلَّ لكل مشاكلهم، متجاهلين الشواهد الكثيرة في منطقتنا التي تؤكد أنَّ التدخل الدولي أسهم في أكثر الأحيان في تعقيد أزمات الدول، وإطالة أمدها، وأنَّه لا يمكن أن ينجح ما دامت جذور الأزمات باقية، والأطراف الداخلية عاجزة عن حل مشاكلها، وغارقة في صراعاتها.

بعد تصويت مجلس الأمن الدولي، الأسبوع الماضي، بإنهاء عمل بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم الفترة الانتقالية في السودان (يونيتامس)، ارتفعت بعض الأصوات التي تنادي بتدخل دولي جديد ووضع البلد تحت طائلة البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، بما يعني هذه المرة تدخلاً عسكرياً دولياً. وبينما بقي عدد من هؤلاء في دائرة المطالبة بوضع السودان تحت وصاية الأمم المتحدة، ودبجوا المقالات لتسويق وتزيين ما يرونه محاسنَ هذه الوصاية، لم يجد بعض آخر حرجاً في أن يشتط ويقول إنه لا يرى للسودان مخرجاً من محنته إلا باستعمار جديد بقبعة دولية!

هذه الدعوات لا تعكس إلا المزيد من الغرق في وحل فشل النخب المتصارعة على السلطة، في بلد واعد أفقرته الانقلابات والحروب ومسلسل الخلافات السياسية العدمية التي لا تنتهي، بل قادت البلد من سيئ إلى أسوأ ووضعته في خانة الدول الفاشلة. فبعثة «يونيتامس» التي شُكّلت بطلب من حكومة عبد الله حمدوك الانتقالية وبقرار من مجلس الأمن في نهاية عام 2020، ورأى فيها البعض الآلية التي ستقود البلد إلى برّ الأحلام والأمان، وتعبر بالفترة الانتقالية إلى محطة الانتخابات، قضت أكثر من عامين ونصف العام تنظم في الجلسات واللقاءات، وغرقت بدورها في مشاحنات الأطراف المختلفة التي ازداد عددها وتكاثر ممثلوها، وكانت النتيجة المزيد من التعقيد في المشهد، والتصعيد في المشاحنات حتى انزلق البلد إلى هذه الحرب المدمرة.

لم يكن أمام مجلس الأمن خيار سوى إنهاء تفويض بعثة «يونيتامس» بعد أن أعلنت حكومة الفريق البرهان وقف تعاونها مع رئيس البعثة فولكر بيريتس، الذي اضطر إلى الاستقالة في سبتمبر (أيلول) الماضي، وألحقت ذلك بطلبها من مجلس الأمن إنهاء مهمة البعثة. ولكن قبل أن يجف مداد قرار مجلس الأمن الأسبوع الماضي، بدأت ترتفع أصوات المنادين بوضع السودان تحت الفصل السابع والوصاية الدولية، لا لوقف الحرب وفرض السلام فحسب، بل كما يأملون لمعالجة كل مشاكله المتراكمة من إعادة هيكلة القوات المسلحة، وحل الحركات المسلحة كافة وإنهاء ظاهرة الجيوش الرديفة، إلى إعادة بناء الدولة السودانية ووضع دستورها الجديد وقيادتها نحو صندوق الانتخابات.

قوى الحرية والتغيير (قحت) هي الطرف الأكثر حماساً للتدخل الدولي، إذ ترى أنها أضعف الأطراف في المعادلة الراهنة لصراع السلطة. فهي لا تريد انتصار الجيش الذي تتهمه بأنه جيش الفلول وانتصاره يعني في نظرها عودة نظام الكيزان، ونسخة جديدة من ديكتاتورية عسكرية كيزانية. في الوقت ذاته فإنها ولو تعاطفت مع قوات الدعم السريع ورأت فيها مطية أو فرصة لتحقيق هدف عودتها (أي قحت) إلى السلطة الانتقالية، تظل متخوفة من طموحات قيادة هذه القوات التي استمرأت أجواء السلطة، وبالتالي فإنها لو انتصرت في الحرب فلن تسلم مفاتيح القصر وستنفرد بالحكم عاجلاً أم آجلاً، لا سيما بعد إزاحة الجيش من المشهد.

السودان بالطبع ليس جديداً على الفصل السابع الذي فُرض عليه في السابق بسبب حرب دارفور وتوالت عليه القرارات والعقوبات تحت هذا الفصل منذ عام 2005 ولنحو 15 عاماً، نُشرت خلالها قوات دولية في دارفور، ولاحقاً في منطقة أبيي.

الفرق بين الحالتين اللتين أُخضع فيهما السودان لمجلس الأمن هو أن الفصل السادس يتعلق بحل المنازعات التي يمكن أن تهدد الأمن والسلم الدوليين، بالطرق السلمية بدءاً من الوساطة والتفاوض بين الأطراف المعنية، وصولاً إلى التحكيم والتسوية القضائية أو اللجوء إلى الوكالات الدولية والمنظمات الإقليمية. وإذا فشلت كل هذه الجهود يمكن للمجلس أن يقدم توصياته، لكنها كلها تبقى ضمن دائرة الوسائل السلمية. أما الفصل السابع، فإنه وإن كان يبدأ بالتدابير التي لا تتطلب تدخلاً عسكرياً مثل المقاطعة والعقوبات الاقتصادية، فإنه يمكن أن يذهب إلى إجازة التدخل العسكري والحصار الجوي والبحري تحت بند «كل ما يلزم من إجراءات وتدابير» لفرض «حفظ السلم والأمن الدولي، أو إعادته إلى نصابه».

في الحالتين لم يتحقق للسودان الحل السحري لمشاكله، والسبب هو عجز الأطراف الداخلية عن حل مشاكلها، واستمرارها في صراعاتها. قد يجادل البعض بأن التدخل الأممي تحت الفصل السابع حقق لدارفور هدوءاً «نسبياً»، لكن تبقى الحقيقة أن الصراعات في الإقليم لم تنتهِ، بل تفاقمت، وازداد عدد الحركات المسلحة حتى أصبح من الصعب حصرها لكثرة انقساماتها، كما أن السودان كله عانى من آثار العقوبات المختلفة التي فُرضت عليه تحت طائلة هذا الفصل. لذلك يبدو محيراً أن تعود أطراف سودانية إلى تجريب المجرب والبحث مجدداً عن حلول خارجية لمشاكلها وأزماتها، سواء بالتفكير في العودة لطرق أبواب الأمم المتحدة، أو في توهم الحل الأفريقي عبر الهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد).

حل أزمات السودان المزمنة يبقى داخلياً، ومن الوهم أن نمني أنفسنا بغير ذلك، مثلما أنه من التجني على ثورة ديسمبر (كانون الأول) أن يحاول البعض استخدامها لتبرير طلب التدخل الدولي باعتبار أن هذا التدخل سيحقق فرض أهدافها. ثورة ديسمبر لم تطلب استدعاء التدخل الأجنبي أو تفوض أحداً لوضع البلد تحت وصاية دولية، والذين يطلبون هذا التدخل اليوم، إنما يفعلون ذلك من أجل مصالحهم وحساباتهم للعودة إلى السلطة، لا من أجل الثورة التي وُئدت بسبب الصراعات على الكراسي.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السودان تحت وصاية دولية السودان تحت وصاية دولية



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon