توقيت القاهرة المحلي 22:20:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

من مآسي حرب السودان: الاتجار بالنساء

  مصر اليوم -

من مآسي حرب السودان الاتجار بالنساء

بقلم - عثمان ميرغني

من الفصول المأساوية المظلمة في حرب السودان الراهنة، الانتهاكات والعنف الجنسي ضد النساء. على مدى أشهر الحرب، صدرت تقارير وشهادات وروايات عن حالات الاغتصاب والعنف الجنسي واختطاف فتيات صغيرات واستعبادهن، رافقتها إدانات دولية واسعة، وسط ذهول وغضب واسعين بين السودانيين. خلال الأيام القليلة الماضية عادت القضية إلى السطح مجدداً مع نشر تقارير وشهادات جديدة توثق وتدين هذه الظاهرة الخطيرة والبشعة.

قصص أشبه بكوابيس، وروايات تدمي القلب تسمعها وتكاد لا تصدق من هول ما تسمع.

في مقطع صوتي متداول أخيراً يحكي رجل عن تجربة تاجر شاهد في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور سوقاً لبيع بنات مختطفات من شمال السودان وكانت من بينهن صبية صغيرة عمرها 11 سنة تبكي بينما يساوم رجال قال إنهم من النيجر وتشاد لشرائها. أشفق عليها التاجر وقرر إنقاذها فدفع ما يعادل نحو 4900 دولار، وأخذها إلى بيته وأسرته فاهتموا بها وعلموا أنها من منطقة الخرطوم بحري وحصلوا منها على رقم هاتف أهلها وتواصلوا معهم لإبلاغهم بإنقاذ ابنتهم من مصير مظلم مجهول.

وجود مثل هذه السوق وثقته أيضاً شهادات سكان وهيئات من دارفور، ومنظمات حقوقية دولية معنية بحقوق الإنسان. فقد نشر «المركز الأفريقي لدراسات السلام والعدالة» تقريراً مفصلاً هذا الأسبوع عن الاستعباد الجنسي وعن سوق لبيع النساء في «خور جهنم» بدارفور أورد فيه روايات مرعبة عن اختطاف المسلحين نساءً من مناطق الحرب في شمال السودان وبشكل خاص من الخرطوم وضواحيها، واقتيادهن إلى دارفور، حيث يجري استعبادهن جنسياً، وبيع بعضهن لذات الغرض، والمساومة في بعض الحالات مع أسر بعضهن لدفع فدية مقابل الإفراج عنهن.

وقال مساعد محمد، مدير المركز، إن تقريرهم مصحوب بأدلة، وروايات شهود عيان، ومقابلات مع 45 من الضحايا والشهود وأسر ناجيات من الخطف تم تحريرهن إما بواسطة الجيش السوداني وإما من خلال عمليات دفع فدى للخاطفين.

وفي إطار الإعداد للتقرير الذي استغرق ثلاثة أشهر من البحث الميداني، تواصل باحثون من المركز مع مواطنين من مدن وبلدات وقرى عدة في دارفور ونقلوا شهاداتهم مع حجب أسمائهم الحقيقية حفاظاً على سلامتهم.

استناداً إلى التقرير فإن البحث قاد إلى إفادات حول مشاهدة نساء وفتيات على متن سيارات بعضهن مقيد بالسلاسل ما يرجح خطفهن من مدينة الخرطوم. ونقل عن أربعة مدنيين من المقيمين بمنطقة كويم الملاصقة للبوابة الغربية لمدينة الفاشر بشمال دارفور، أنهم شاهدوا أكثر من 70 سيارة ماركة «تويوتا» نصف نقل محملة بصناديق وأشياء أخرى، وأكثر من 10 سيارات بها فتيات وفي أيديهن السلاسل. وذكر أحد سكان المنطقة أن الظاهرة رصدت للمرة الأولى في مايو (أيار) 2023، أي بعد أسابيع قليلة من اندلاع الحرب في الخرطوم، ثم أخذت في التنامي في شهر يونيو (حزيران).

المؤكد أن الظاهرة متواصلة مع استمرار الحرب وتوسعها في مناطق أخرى، إذ تحدثت تقارير أخرى عن حالات اختطاف بواسطة المسلحين من ولاية الجزيرة التي اقتحمت «قوات الدعم السريع» حاضرتها، مدني، في ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وأكد الاتحاد الدولي لتنظيم الأسرة على لسان الشفيع محمد علي المدير التنفيذي لجمعية تنظيم الأسرة بالسودان، أنه وبعد مرور 10 أشهر على الحرب «ارتفعت معدلات العنف ضد النساء بشكل مخيف للغاية، خصوصاً العنف الجنسي المتصل بالصراع، وعمليات الخطف، والإخفاء القسري، وإجبار النساء على مساعدة المسلحين بالإكراه».

ولأن كل التقارير الدولية والمحلية وجّهت الاتهام لـ«قوات الدعم السريع»، رأينا بياناً من هذه القوات هذا الأسبوع يرد بالنفي على تقرير صادر من «شبكة المبادرة الاستراتيجية لنساء القرن الأفريقي» أحصى 104 حالات اختطاف قسري لنساء وفتيات صغيرات في السن. وقالت «الدعم السريع» إنها «ملتزمة بالقانون الدولي والإنساني»، وإنها «تتابع تصرفات الأفراد ولن تسمح بأي تجاوزات». لكن وزارة الخارجية السودانية قالت إن تقرير الشبكة يعضد ما جاء في البيان الصادر عن 32 من خبراء حقوق الإنسان والمقررين الخاصين للأمم المتحدة في قضايا حماية المرأة والطفل ومكافحة العنف الجنسي.

الثابت أن هذه الحرب أفرزت ظواهر كثيرة هزّت السودانيين، وستبقى آثارها لوقت طويل بعد أن تنتهي. فهناك أسر لا تعرف حتى اللحظة مصير بناتها المختفيات، وأسر تحاول أن تدفن أحزانها وتتكتم على الاعتداءات التي تعرضت لها النساء، وذلك بسبب الخوف من العار في المجتمع السوداني الذي يتعامل بحساسية عالية مع قضايا الشرف وينبذها بوصفها دخيلة عليه، ومتصادمة مع قيمه. لذا فإن هذه القضية ستكون من بين القضايا التي تحتاج إلى انتباه خاص من جهات الاختصاص لتوفير الدعم النفسي والطبي للضحايا وأسرهن، والتوعية بشكل عام في سبيل التصدي لمثل هذه الظواهر، لأنه لا يمكن الحديث عن اجتثاثها ما دامت هناك حروب تظهر فيها أسوأ أمراض النفس البشرية.

فالسودان ليس وحيداً في هذا المجال، وقد عانت مجتمعات ودول أخرى منها، بل إن السودان ذاته عانى من هذه الممارسات في مناطق صراعات قديمة وبشكل خاص في حرب دارفور بمراحلها المختلفة. صحيح أن الصدمة اليوم أكبر لأنها وصلت إلى مناطق أوسع، وجهات لم تعرفها وتألفها من قبل، ما يعني ضرورة تسخير جهود وموارد لدعم المنظمات والهيئات العاملة في مجال محاربة هذه الظواهر ومساندة ضحاياها.

الانتهاكات الواسعة التي حدثت ليس من المقبول لأي جهة أن تصفها بأنها مجرد «تفلتات» لا سيما أنها حدثت على نطاق واسع وبطريقة بدت ممنهجة وانتقامية أحياناً. وواهم مَن يعتقد أن الجروح الغائرة التي خلفتها هذه الحرب ستندمل بسرعة، أو أن السودانيين سينسون بسهولة. طريق التعافي سيكون صعباً، والمحاسبة القانونية لا بد أن تكون جزءاً من هذا الطريق.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من مآسي حرب السودان الاتجار بالنساء من مآسي حرب السودان الاتجار بالنساء



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon