توقيت القاهرة المحلي 21:58:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ماذا تخطط أميركا للسودان؟

  مصر اليوم -

ماذا تخطط أميركا للسودان

بقلم - عثمان ميرغني

بالتزامن مع دخول حرب السودان شهرها الحادي عشر، انطلقت تحركات جديدة في الكونغرس الأميركي للضغط على إدارة الرئيس جو بايدن للقيام بخطوات ملموسة للتعامل مع الأوضاع المتفاقمة نتيجة الحرب، مع تزايد مخاطر توسعها، وتمددها بما يهدد الاستقرار الإقليمي، في ظل تدخلات خارجية واضحة، ومصالح متضاربة. فإدارة بايدن ظلت تواجه انتقادات بأنها لا تعطي الأزمة السودانية اهتماماً كافياً، وأن الرئيس تحديداً لا يبدي تفاعلاً ملموساً أو اهتماماً جدياً بالوضع على الرغم من خطورته.

من هنا جاء تحرك مجموعة من أعضاء الكونغرس المهتمين بالسودان الذين قدموا هذا الأسبوع مشروع قرار أشد في مضمونه من قرارات سابقة، وربما يمهد لخطوات لاحقة من الإدارة. الجديد في هذا القرار أنه يصنف ممارسات قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها في دارفور ضد مجموعات عرقية وقبلية بعينها «إبادة جماعية»، ويشبهها بما حدث في الإقليم في 2003 و2004 على أيدي الجنجويد، ما دفع الكونغرس وإدارة الرئيس الأسبق جورج بوش وقتها لإعلان الإبادة الجماعية في دارفور وما تبع ذلك من خطوات وإجراءات عقابية قامت بها الإدارة.

وبينما يدعو القرار إلى التوسط لوقف شامل لإطلاق النار وإنهاء العنف والفظائع التي ترتكب، ويحث الإدارة الأميركية على اتخاذ خطوات عاجلة للعمل مع المجتمع الدولي للتوصل إلى وسائل لحماية المدنيين «بما في ذلك إنشاء ممرات إنسانية ومناطق آمنة»، وكذلك تفعيل قرار مجلس الأمن المتعلق بحظر إرسال أسلحة إلى دارفور، فإنه يقترح تبني خطوات وإجراءات محددة لرصد الانتهاكات والجرائم بغرض المحاسبة. وفي هذا الصدد دعا مشروع القرار الإدارة إلى دعم التوثيق الدوري للفظائع وممارسات الإبادة الجماعية المتعلقة بالسودان، ودعم المحاكم والتحقيقات الجنائية الدولية لمحاسبة قوات الدعم السريع التي أشار إلى دور قائدها والميليشيات المتحالفة معها. كما دعا مجموعة المهام الخاصة المعنية بمنع الفظائع «لإجراء مراجعة شاملة لجهودها لمنع، وتحليل، والرد على الفظائع في السودان بالتوافق مع استراتيجية الولايات المتحدة لعام 2022 للتوقع، والمنع، والرد على الفظائع».

معدو مشروع القرار تحدثوا عن الأزمة الإنسانية الكارثية التي أنتجتها الحرب، والفظائع التي ارتكبت خلالها، مع إشارات محددة إلى تقارير العنف الجنسي وعمليات الاغتصاب، وجرائم الحرب والتطهير العرقي، والإبادة المتعمدة لمجموعات عرقية وقبلية في دارفور، وخلصوا إلى أن كل هذا يدفعهم لحث إدارة بايدن على تكثيف الجهود لحل الأزمة وتعيين مبعوث رئاسي خاص للتعامل مع الأزمة.

ويبدو واضحاً أن خطوة الانطلاق لهذه الجهود تتمثل في تعيين المبعوث الخاص الذي يمكن أن ينسق بين الإدارات الأميركية المختلفة المعنية، ويعطي تحركات الإدارة زخماً جديداً وجدية أمام العالم. وكانت إدارة بايدن وتحت ضغط الكونغرس رشحت النائب الديمقراطي السابق توم بيريليو لمنصب المبعوث الخاص، وربما تسرع التحركات الأخيرة بعملية تثبيت تعيينه من قبل مجلس الشيوخ.

المحك بالنسبة لواشنطن ليس تسمية مبعوث، وإنما كيف سيتحرك لتحقيق نتائج سريعة في ظروف أقل ما يقال عنها أنها صعبة ومعقدة. بيريليو ليس المبعوث الخاص الأول للسودان الذي تعينه أميركا، فقد سبقه للمنصب ستة مبعوثين آخرين خلال العقدين الماضيين، هم روجر وينتر، وأندرو ناتسيوس، وريتشارد ويليامسون، وسكوت غريشن، وبرينستون ليمان، ودونالد بوث، وكانت نتائج مهامهم متباينة ولم تكن كلها ناجحة. وطوال فترة أولئك المبعوثين كانت العلاقات متردية بين الخرطوم وواشنطن، وكان السودان في القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب، وفرضت عليه عقوبات متنوعة، رفعت جزئياً في 2017 قبل مغادرة الرئيس الأسبق باراك أوباما للبيت الأبيض، ثم كلياً بعد إزالته من قائمة الإرهاب في نهاية 2020 بعدما ظل تحت وطأتها نحو 27 عاماً.

واليوم عندما يتولى بيريليو مهامه، عقب تثبيته من قبل مجلس الشيوخ، فإنه خلافاً للسفير جون غودفري الذي رافقت تعيينه ضجة واسعة وآمال كبيرة بعدّه أول سفير أميركي في السودان بعد نحو 25 عاماً من القطيعة، سيواجه (أي بيريليو) ظروفاً في غاية التعقيد في مقدمتها أنه يتولى منصبه في عام الانتخابات الأميركية وفي وقت سيكون فيه اهتمام بايدن منصباً على معركة الرئاسة التي يواجه فيها ضغوطاً وشكوكاً متزايدة تتعلق بقدراته الذهنية بعدما تكررت منه حوادث النسيان، وأصبح عمره المتقدم موضوعاً انتخابياً.

أضف إلى ذلك أن الإدارة الأميركية مشغولة بحربي غزة وأوكرانيا وكل جهودها تقريباً مركزة عليهما، ما يجعل اهتمامها بالسودان محدوداً، وهو ما ينطبق بشكل خاص على الرئيس، وعلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن.

وسيواجه بيريليو مشاكل لوجيستية عديدة تضاف إلى تعقيدات مهمته، منها عدم وجود سفارة في الخرطوم التي باتت عاصمة مهجورة، وعدم وجود سفير بعد استقالة جودفري قبل أسابيع في ظروف غير واضحة، بينما تشتت طاقم السفارة على عواصم أخرى مثل أديس أبابا ونيروبي وأبوظبي. وكأن كل ذلك ليس كافياً، فإنه سيحتاج إلى تعزيز معلوماته عن السودان، لأنه يفتقر إلى الخبرة الكافية عنه، ولن يعينه كثيراً رصيده السابق عندما عمل مبعوثاً لإدارة أوباما في منطقة البحيرات وجمهورية الكونغو الديمقراطية، فهو رصيد بعيد تماماً عن الأزمة السودانية وتعقيداتها. وربما يحتاج في هذا الصدد إلى الاستفادة من خبرات كل من مولي في مساعدة وزير الخارجية للشؤون الأفريقية، وليندا توماس غرينفيلد السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، وسامانثا باور مديرة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، ومايك هامر المبعوث الخاص للقرن الأفريقي، وكلهم إضافة إلى خبراتهم لديهم اهتمام خاص بموضوع السودان.

وسيواجه بيريليو بعد كل ذلك سؤالاً آخر مهماً بشأن كيفية التعامل مع المبادرات المختلفة المطروحة، والتي، باستثناء منبر جدة، لم تحقق أي شيء ملموس، بل أضافت إلى التعقيدات المحيطة بالحرب. لذا فإنه قد يركز جهوده نحو البناء على ما تحقق في جدة لاسيما فيما يتعلق بموضوع المساعدات الإنسانية العاجلة، والانطلاق منها نحو أي ترتيبات لوقف النار.

ومن تحركات الكونغرس الأخيرة يبدو أن واشنطن تعد أيضاً لممارسة ضغوط من خلال ورقة العقوبات والمحاسبة عن الانتهاكات الجسيمة والفظائع التي ارتكبت خلال الحرب، وبالأخص في دارفور، لكن يبقى عاملا الزمن والانتخابات هما المحك أمامها وأمام مبعوثها الخاص الجديد عندما يتقلد منصبه رسمياً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ماذا تخطط أميركا للسودان ماذا تخطط أميركا للسودان



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon