توقيت القاهرة المحلي 22:20:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

البشرية وخطر الانتحار الجماعي

  مصر اليوم -

البشرية وخطر الانتحار الجماعي

بقلم - عثمان ميرغني

أجزاء واسعة من بريطانيا عاشت هذا الأسبوع في ظل أول حالة طوارئ بسبب الحر الشديد. مطار لوتون بشمال لندن أغلق مدرجه أمام الطائرات بضع ساعات لأن سطحه «ذاب»، بينما قلصت السلطات سرعة القطارات في إنجلترا وويلز، وأوقفت بعض الخطوط رحلاتها تماماً بسبب القلق من أن القضبان قد تتمدد. وقال وزير المواصلات إن البنية التحتية للنقل ليست مكيفة لتحمل درجات حرارة كهذه التي عاشتها البلاد خلال الأيام الماضية.
بريطانيا التي عُرفت تقليدياً بأجوائها الماطرة المائلة إلى البرودة، بدأت تعيش واقعاً جديداً بفعل الاحتباس الحراري. في عام 2019 سجلت درجة حرارة بلغت 38.7 درجة مئوية وعُدّ ذلك رقماً قياسياً يحدث للمرة الأولى. يومها حذّر خبراء الطقس من درجات حرارة تزيد على 40 درجة مئوية بحلول 2050، لكن الناس لم يتوقعوا أن يحدث هذا الأمر في غضون ثلاث سنوات فقط، إذ سجلت درجات الحرارة أول من أمس 40.3 في مقاطعة لينكونشاير، وهو رقم قياسي جديد في هذه البلاد.
الخبراء يقولون إن هذا هو الواقع الجديد وعلى الناس التأقلم مع تبعات كارثة المناخ. ففي العقود المقبلة سيصبح الصيف أكثر سخونة ويستمر لفترة أطول، بينما ستتقلص أشهر الشتاء إلى نحو شهرين تتخللهما عواصف هوجاء وفيضانات مدمِّرة. سوف تتضرر البنية التحتية المكيفة لأجواء أكثر برودة عموماً، وستتأثر الطرق ووسائل المواصلات، وتشتد الضغوط على الخدمات الصحية، حيث يتوقع أن يعاني عشرات الآلاف من كبار السن والمرضى والرضع من ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة. وسيعرف البلد أمراضاً جديدة بما في ذلك الملاريا التي ستنتقل مع الأجواء الحارة.
لكن على الرغم من أن الطقس كان الحدث الأبرز هذا الأسبوع في بريطانيا، إلا أنها لم تكن الأسوأ في أوروبا التي شهدت عدة دول فيها درجات حرارة غير مسبوقة. ففي إسبانيا والبرتغال وصلت درجات الحرارة إلى 47 درجة مئوية في وقت سابق هذا الشهر قبل أن تنحسر تدريجياً. واندلعت حرائق الغابات في فرنسا وإسبانيا وإيطاليا واليونان والبرتغال وكرواتيا وحتى في إنجلترا، وتم إخلاء عشرات الآلاف من منازلهم بينما كانت فرق الإطفاء تكافح النيران الزاحفة على مناطق واسعة.
أميركا أيضاً تعاني، إذ بلغت الحرارة درجات قياسية جديدة في أكثر من 12 مدينة خلال الأيام الماضية، وأصدرت السلطات تحذيرات في جميع أنحاء جنوب غربي ووسط الولايات المتحدة. ومع ارتفاع درجات الحرارة إلى أكثر من 44 درجة مئوية، تعرض سد هوفر الذي يزود ولايات كاليفورنيا ونيفادا وأريزونا بالكهرباء، لانفجار أحد المحولات، وترافق ذلك مع موجة جفاف في معظم الولايات وبشكل خاص في الجنوب والغرب.
ومع استمرار الارتفاع في درجات الحرارة يتوقع أن يعلن الرئيس جو بايدن حالة طوارئ مناخية، بينما تدرس إدارته إمكانية خطوات جديدة للحد من الانبعاثات المناخية بعدما تعثرت خطوات سابقة في ظل معارضة من مجموعات نشطة في الكونغرس بتأثير من جماعات الضغط والشركات الكبرى المتضررة.
في الصين صدرت تحذيرات في جميع أنحاء شرق وجنوب البلاد بسبب الارتفاع الشديد في درجات الحرارة. وأغلق أحد المتاحف في مدينة بالجنوب الغربي أبوابه لإجراء إصلاحات بعد ذوبان أجزاء من سقفه بفعل الحرارة.
لقد حطمت درجات الحرارة المرتفعة أرقاماً قياسية في جميع أنحاء العالم تقريباً في الأشهر الأخيرة، من الشرق الأوسط إلى جنوب آسيا، ومن أفريقيا إلى أميركا الجنوبية، ومن الولايات المتحدة إلى الصين، بينما ضربت موجات الجفاف أجزاء واسعة من الأرض.
المذهل أن كثيرين حول العالم ما زالوا يعتقدون أن الاحتباس الحراري سيعني ارتفاعاً في درجات الحرارة لأيام معدودة في أشهر الصيف، وأن الأمور ستعود إلى طبيعتها بعد ذلك. فالحقيقة أن الوعي بتداعيات كارثة المناخ لم يصل إلى المستوى المطلوب.
الاحتباس الحراري سوف يؤثر في كل مناحي الحياة، وسوف يُحدث كوارث ذات تكلفة باهظة للبشرية. مستوى سطح البحر يرتفع الآن بمقدار سنتيمتر كل عامين، وهو أكثر من ضعف المعدل المسجل في الفترة 1993 – 2002، ويتوقع العلماء أنه سيكون أعلى من متر في غضون 50 عاماً، وخلال ذلك سيغرق الكثير من الأراضي الساحلية، وستختفي مدن كبرى حول العالم.
المحاصيل الزراعية ستتأثر أيضاً بهذه التغيرات المناخية التي ستعني دورات من الحر الشديد، والأمطار الغزيرة والسيول، وظهور آفات وحشرات جديدة في مناطق كانت في السابق أكثر اعتدالاً في المناخ. وبالتالي ستحدث مجاعات وهجرات جماعية بسبب المناخ.
موجات الحر الجديدة التي تضرب العالم ربما تنبه الناس إلى خطورة الوضع، وتزيل فكرة أن التغييرات الصغيرة يمكن أن تعالج قضية التغير المناخي. الأزمة أكبر، والعلاج يحتاج إلى خطوات شجاعة من السياسيين تضع قضية المناخ فوق الاعتبارات والحسابات السياسية الآنيّة.

المشكلة أن هناك حالة إنكار من قطاعات واسعة، ومماطلةً من بعض الدول، وتلكؤاً من كثير من السياسيين. وللمفارقة أنه في الوقت الذي كانت فيه بريطانيا ترزح تحت وطأة موجة الحر الشديد هذا الأسبوع، كان المتنافسون على زعامة حزب المحافظين وخلافة رئيس الوزراء بوريس جونسون يتجاهلون قضية المناخ، أو يقللون من شأنها، ويماطلون في الإجراءات المطلوبة.
بل إن بعض الدول بدأت تتراجع عن التزاماتها وتبطئ من خطواتها في معالجة مسببات الانبعاثات الكربونية، متعللة بالأزمة الاقتصادية، وبعضها سيعود إلى زيادة استخدام الفحم الحجري بسبب مشكلات الطاقة الناجمة عن تداعيات الحرب الأوكرانية. وعندما تعود الدول إلى هذه الممارسات تصبح كل الخطوات الصغيرة الأخرى التي تعلنها الحكومات، أو يتطوع بها الناس، بلا معنى.
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش كان واضحاً في مخاطبته للوزراء الذين اجتمعوا لمؤتمر المناخ في برلين هذا الأسبوع عندما قال إن الإنسانية تواجه انتحاراً جماعياً بسبب أزمة المناخ، وإن نصف البشرية الآن في منطقة الخطر سواء نتيجة الحرارة الشديدة، أو الفيضانات والجفاف والعواصف الشديدة وحرائق الغابات، ولا توجد أمة محصّنة. وختم بتحذير قوي علّه يجد آذاناً صاغية قائلاً: «لدينا خيار. العمل الجماعي أو الانتحار الجماعي. والأمر في أيدينا».
غوتيريش ليس وحده، فغالبية علماء المناخ يطلقون التحذير تلو الآخر ويقولون إن العالم إذا لم يتعلم من الكوارث المناخية المتسارعة التي أصبحت واقعاً معيشاً، فإننا سنورِّث أبناءنا وبناتنا وأحفادنا أخطر أزمة وجودية، لن يسلم من تبعاتها أحد.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البشرية وخطر الانتحار الجماعي البشرية وخطر الانتحار الجماعي



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:05 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 18 نوفمبر /تشرين الثاني 2024

GMT 10:55 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

دوناروما يؤكد ان غياب مبابي مؤثر وفرنسا تملك بدائل قوية

GMT 09:55 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 08:31 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:27 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

GMT 04:33 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونسكو تعزز مستوى حماية 34 موقعًا تراثيًا في لبنان

GMT 13:08 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نيمار يشتري بنتهاوس بـ 200 مليون درهم في دبي

GMT 07:25 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزالان بقوة 4.7 و4.9 درجة يضربان تركيا اليوم

GMT 03:12 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

ليليا الأطرش تنفي تعليقاتها عن لقاء المنتخب السوري

GMT 18:33 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ميا خليفة تحضر إلى لبنان في زيارة خاصة

GMT 14:47 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

الحضري على رأس قائمة النجوم لمواجهة الزمالك

GMT 11:13 2018 الأربعاء ,11 إبريل / نيسان

ما وراء كواليس عرض "دولتشي آند غابانا" في نيويورك
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon