توقيت القاهرة المحلي 03:23:43 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ماذا تعني التغيرات الديموغرافية لبريطانيا؟

  مصر اليوم -

ماذا تعني التغيرات الديموغرافية لبريطانيا

بقلم: عثمان ميرغني

النتائج التي نشرت أول من أمس لأحدث إحصاء سكاني في بريطانيا كانت مثيرة للاهتمام، ومدعاة لردود فعل متباينة. فالإحصاء ربما فاجأ كثيرين بنتيجته التي أعلنت أن المسيحيين أصبحوا اليوم أقلية في إنجلترا وويلز، وذلك لأول مرة منذ بدء عمليات المسح السكاني. وكشفت الأرقام أن المسيحيين يمثلون الآن أقل من نصف سكان إنجلترا وويلز، إذ إن 46 في المائة من السكان، (أي 27 مليوناً ونصف المليون شخص) وصفوا أنفسهم بأنهم مسيحيون.
النتيجة المفاجئة الأخرى أن نسبة 37 في المائة من الذين شملهم المسح أعلنوا أنهم «بلا انتماء ديني»، وهو ما يضع هذه المجموعة في المرتبة الثانية بعد «المسيحيين»، ويعني أنه على مدار العقدين الماضيين ارتفع عدد المصنفين في هذه المجموعة بنسبة 22 في المائة، مقابل انخفاض الذين سجلوا أنفسهم مسيحيين بنسبة 13 في المائة خلال الفترة ذاتها.
النتائج التي نشرها «مكتب الإحصاءات الوطنية» وشملت بيانات حول العرق والدين واللغة لنحو 60 مليون شخص جمعت في إحصاء سريع في 2021، بينت في الوقت ذاته زيادة في عدد السكان المسلمين من مليونين وسبعمائة ألف في عام 2011 إلى ثلاثة ملايين وتسعمائة ألف في 2021، هذا الأمر يعكس التغير الديموغرافي في بريطانيا، والاختلاف في أنماط الشيخوخة، والخصوبة، والوفيات، والهجرة. ففي مقابل انخفاض عدد السكان البيض الذين يمثلون أغلبية السكان بنسبة 4 في المائة، ارتفع عدد الآسيويين أو البريطانيين الآسيويين في إنجلترا وويلز بنسبة 2 في المائة تقريباً، حيث يمثلون اليوم المجموعة العرقية الثانية من السكان بنسبة 9.3 في المائة وتعداد يبلغ خمسة ملايين ونصف المليون.
الأقليات العرقية تشكل اليوم أكثر من نصف السكان في مدن مثل برمنغهام وليستر ولوتون. وفي حين أن أكثرية المدن في إنجلترا وويلز كانت الغالبية فيها «مسيحية»، فإن الملاحظ أن المدن الجامعية مثل أوكسفورد وكامبريدج ونوتنغهام وإكستر سجلت وفقاً للإحصاء السكاني على أنها «غير متدينة». كذلك كان الأمر في مدن مثل لندن وبرايتون وبريستول وكارديف، أي أن غالبية الناس اختاروا عدم تحديد ديانة معينة.
منطقتان في بريطانيا سجلتا في المسح السكاني على أن غالبيتهما مسلمة وهما ريدبريدج وتاور هاملت (فيها أعلى نسبة بنغال في إنجلترا). وليس غريباً أن المنطقتين في شرق لندن، إذ إن العاصمة فيها أكبر عدد من المسلمين في بريطانيا.
نتائج المسح ستقرأ بشكل متباين من مجموعات مختلفة. أنصار الانفتاح والتعايش سيجدون فيها دعماً لمطالبهم بسياسات حكومية تعكس هذا التنوع الذي يرون فيه إثراء للحياة، وأن بريطانيا الحديثة المتنوعة عرقياً ودينياً وثقافياً مكان جذاب للعيش، منفتح على العالم والأفكار الجديدة، وأن الحنين للماضي قبل موجات الهجرة في العقود الأخيرة مخادع لأن مستويات الحياة تحسنت في الواقع مع المهاجرين الذين أسهموا في النهضة الاقتصادية للبلد منذ الحرب العالمية الثانية.
لكن اليمين المتشدد قد يستخدم نتائج المسح للتأجيج ومحاولة التكسب سياسياً، لا سيما في وقت تشهد أوروبا صعوداً جديداً لهذا التيار في عدة دول، وجدلاً واسعاً حول قضية الهجرة واللجوء والتعددية العرقية والدينية. رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان نموذج لكيفية استغلال هذا التيار لقضية الهجرة وتوظيفها في خطابه السياسي المتكرر عن صراع الثقافات الذي قال إنه «يهدد بالقضاء على ثقافة أوروبا». هذا الخطاب يجد صدى بين قيادات يمينية أخرى في أوروبا مثل رئيسة الوزراء الإيطالية الجديدة جورجيا ميلوني التي تعد من المعجبات بأوربان ولم تخفِ رغبتها في التعاون الوثيق معه لتعزيز اليمين الأوروبي باسم احترام السيادة الوطنية ومحاربة الهجرة والدفاع عن الأسرة والهوية المسيحية.
موضوع قومية الدولة وهويتها يبقى دائماً قضية حساسة حتى في دول تصنف على أنها نشأت من موجات المهاجرين مثل أميركا التي رأيناها تشيد جداراً على حدودها لمنع تدفق المهاجرين «غير الشرعيين»، ويتبنى عدد من سياسييها خطاباً معادياً للهجرة، بينما ينمو اليمين العنصري المتطرف الذي يرفع راية الدفاع عن الهوية البيضاء.
وعلى الرغم من أن بريطانيا بلد معروف عموماً بالتسامح، فإن بعض ردود الفعل الأولية على المسح السكاني تظهر أن هناك شرائح وسط السكان البيض تربط بين التعددية والهجرة وذوبان الهوية الثقافية والدينية، والإفقار والأزمة المعيشية، وتردي الخدمات لا سيما خدمة الرعاية الصحية والبنية التحتية، وتزايد العنف والجريمة. هذه الشرائح لا تخفي حنينها للماضي قبل موجات الهجرة الحديثة، وتعبر عن حسرتها على ما تراه «نهاية بريطانيا» بصورتها التقليدية التي عرفها العالم. ومن متابعة ردود القراء في عدد من الصحف، والمشاركين في برامج إذاعية والمعلقين من الجمهور، كان هناك من اعتبر أن ماضي بريطانيا أفضل من حاضرها ومستقبلها، وأن كثيراً من المهاجرين الجدد غير وطنيين ولا يشعرون بالولاء للمملكة المتحدة، وسط اتهامات للاجئين بأنهم يعيشون عالة على مساعدات الدولة.
هناك عدة عوامل وراء تراجع من يحددون هويتهم بالمسيحية؛ فإضافة إلى موضوع التغير الديموغرافي وتأثيرات الهجرة والمهاجرين، هناك عامل السن، في بريطانيا والغرب عموماً؛ حيث ترتفع نسب الشيخوخة وتتراجع معدلات المواليد. وبما أن نسبة كبيرة من المسيحيين هم من كبار السن، فإن معدل الوفيات ينعكس بشكل واضح على نسب المسيحية في الإحصاء السكاني.
أمر آخر أشارت إليه الدراسات، وهو أن الأجيال الجديدة في الأسر البيضاء المسيحية في بريطانيا أقل تديناً، في حين أن الأمر يبدو مختلفاً بين المسيحيين المهاجرين سواء من جزر الهند الغربية أو من دول أوروبا الشرقية. ويعيد البعض هذه الظاهرة إلى جيل ستينات القرن الماضي الذي تأثر بمظاهر الحياة في تلك الفترة، ولم يكترث كثيراً لغرس التدين في أطفاله فنشأ كثير منهم ليصبحوا غير متدينين، ولا يرون أن عليهم تحديد ديانتهم في الإحصاءات السكانية ويفضلون وضع علامة «لا ديانة» في خانة الاختيارات في استبيانات الإحصاء السكاني.
مقابل ذلك فإن الأرقام المنشورة تشير إلى أن المسلمين والهندوس يبدون أكثر حرصاً في موضوع التدين ونقله إلى أبنائهم، وهو ما يعني أن ديانات المهاجرين سوف تستمر في النمو.
لا شك أن بريطانيا التي يرأس حكومتها اليوم سياسي من جذور هندية، ويشغل أبناء الأقليات مناصب مهمة فيها، ويتبنى ملكها الجديد تشارلز رسالة التعايش بين الديانات، تتغير بسرعة وهو تغير مليء بالتحديات والفرص.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ماذا تعني التغيرات الديموغرافية لبريطانيا ماذا تعني التغيرات الديموغرافية لبريطانيا



GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

GMT 22:47 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حرب القرن

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 19:22 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار عملية ومختلفة لتزيين الشرفة المنزلية الصغيرة
  مصر اليوم - أفكار عملية ومختلفة لتزيين الشرفة المنزلية الصغيرة

GMT 03:53 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

ترامب يرد على منتقديه في تجمع انتخابي بولاية جورجيا
  مصر اليوم - ترامب يرد على منتقديه في تجمع انتخابي بولاية جورجيا

GMT 16:35 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

الجيش الإسرائيلي يتخبّط في "أزمة حادة"
  مصر اليوم - الجيش الإسرائيلي يتخبّط في أزمة حادة

GMT 19:05 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

حلا شيحة تكشف عن سبب ابتعادها عن الأعمال الرمضانية
  مصر اليوم - حلا شيحة تكشف عن سبب ابتعادها عن الأعمال الرمضانية

GMT 10:37 2021 الجمعة ,22 كانون الثاني / يناير

تعرف على من هو أحمد مناع أمين مجلس النواب 2021

GMT 06:45 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

أبرز فوائد فيتامين " أ " على صحة الجسم والمناعة

GMT 09:47 2020 الثلاثاء ,03 آذار/ مارس

عبد المهدي يتخلى عن معظم مهامه الرسمية

GMT 04:22 2019 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

ريم مصطفى تؤكد أن مسلسل "شديد الخطورة" تجربة مختلفة

GMT 07:44 2019 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

سامي مغاوري يتحدى ابنه في "واحد من الناس" مع عمرو الليثي

GMT 21:05 2019 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

مصرية تطلب الخلع من زوجها وتتفاجئ من رد فعله

GMT 18:29 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل شخص وإصابة اثنين فى حادث تصادم بالدقهلية

GMT 19:21 2019 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

بوسى برفقة حلا شيحة فى أغرب إطلالة لها
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon