توقيت القاهرة المحلي 06:10:04 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كيف يكون الحل سودانياً؟

  مصر اليوم -

كيف يكون الحل سودانياً

بقلم: عثمان ميرغني

بالتزامن مع، أو حتى قبيل، كلام المبعوث الأميركي الخاص توم بيريلو عن إمكانية التحرك لإرسال قوات دولية وأفريقية، إلى السودان، بدا ملحوظاً تزايد الدعوات لتدخل دولي «عسكري» تحت غطاء أو مظلة أو ذريعة - سمها كما شئت - حماية المدنيين.

بغض النظر عن الدوافع، فإن الدعوات لأي تدخل عسكري خارجي، تبقى محفوفة بالمخاطر وستدفع بالسودان نحو تعقيدات وأفق غير معروف العواقب. تجارب وتداعيات التدخلات العسكرية الدولية الماثلة أمام الأعين، لم تحقق النجاح المأمول، بل خلفت أوضاعاً كارثية أكثر تعقيداً أحياناً.

لوقت طويل لم يبد العالم اهتماماً جدياً يتناسب مع حجم الكارثة، ولم يقم بجهود حقيقية لردع الأطراف التي تؤجج الحرب بإمدادات السلاح والمرتزقة عبر دول الجوار. وقد كتبت الكثير من المقالات، وصدرت العديد من التصريحات الناقدة للتجاهل الدولي لا سيما موقف إدارة بايدن الذي انتقده مشرعون أميركيون في مناسبات عدة.

فعلى الرغم من أن الإدارة الأميركية شاركت في رعاية منبر جدة وعينت تحت ضغط الكونغرس المبعوث الخاص بيريلو، فإنها لم تجعل الحرب السودانية في قائمة اهتماماتها. فآخر بيان للرئيس بايدن بشأن الحرب كان قبل نحو سنة، ما جعل الكثير من الأطراف تخلص إلى أن البيت الأبيض غير مهتم بالحرب السودانية مع تركيزه على حربي أوكرانيا وغزة. من هذا المنطلق فإن واشنطن عندما تتحدث عن قوات دولية للسودان فهي تعني بالأساس قوات أفريقية.

الحقيقة أنه لأسباب كثيرة واتهامات بالتواطؤ في دعم «قوات الدعم السريع» وتسهيل مرور السلاح، فإن معظم دول الجوار الأفريقي لا تصلح وسيطاً أو حتى شريكاً في أي وساطة، ناهيك عن التدخل تحت مظلة قوات دولية/أفريقية يروج لها. دولتان فقط في تقديري تجدان القبول من مختلف الأطراف لاستضافة أي مفاوضات سودانية - سودانية لإنهاء الحرب واستعادة المسار الانتقالي هما السعودية، التي تستضيف أصلاً منبر جدة، ومصر التي عقدت فيها جولات عدة من اجتماعات ومؤتمرات القوى المدنية السودانية، وتبنت مبادرة عقد قمة دول الجوار في الأشهر الأولى للحرب.

مؤتمر القوى السياسية المدنية السودانية الذي دعت له مصر قد يكون، لو عقد وتهيأت له الظروف والأسباب لإنجاحه، فرصة ومدخلاً للعودة إلى منبر جدة بصورة أكثر وضوحاً تساعد في التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب والعودة إلى مسار انتقالي جديد متوافق عليه مسبقاً بما يضمن نجاحه هذه المرة بعيداً عن المشاحنات والصراعات التي قادت البلاد إلى هذا الوضع المأساوي. لكن هناك عقبات بالتأكيد وتدخلات قد تعرقل التئام مؤتمر القاهرة، والذي يبدو واضحاً الآن أنه لن ينعقد نهاية هذا الشهر مثلما كان مقرراً له.

اللافت هو دخول دول أفريقية على الخط وضغطها بالتناغم مع تلميح بيريلو إلى تحركات لإعداد الأرضية لإرسال قوات دولية وأفريقية، «لفرض» السلام إذا لم تُستأنف المفاوضات لوقف القتال. في هذا المجال يمكن الإشارة إلى اجتماع مجلس السلم والأمن الأفريقي الذي عقد برئاسة الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني قبل أسبوع وقرر البدء في تحرك لدعوة رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، وقائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو إلى اجتماع تحت رعاية الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا (إيغاد) «دون تأخير»، على حد ما جاء في بيان الاجتماع. والملاحظ هنا أن هذه الدعوة تخطت منبر جدة ودوره باعتباره المظلة التي انعقدت تحتها جولات المفاوضات السابقة بين الجيش و«الدعم السريع»، والتي عليها توافق من الأطراف خلافاً للدور الأفريقي.

كثيرون يرون أن المدخل لإنهاء الحرب هو المفاوضات بين الجيش و«قوات الدعم السريع»، وهو ما لم يحقق النجاح حتى اللحظة. في تقديري أن المدخل الصحيح لإنهاء الحرب هو في مفاوضات شاملة وتوافق بين القوى السياسية والمدنية أولاً ينزع فتيل قضايا جوهرية مغذية لهذه الحرب، ويعد الأرضية لمرحلة ما بعدها. فالحرب وإن كانت اندلعت بين حملة السلاح، إلا أن في جذور مسبباتها صراعات القوى السياسية التي لم تُفشل الفترة الانتقالية فحسب، بل هيأت الظروف لاندلاع الحرب، وتسهم بشكل أو بآخر في إطالة أمدها.

من دون هذا التوافق سنبقى ندور في حلقة مفرغة وسيطول أمد الحرب بسبب عوامل خارجية وداخلية كثيرة، وحتى لو انتهت فإن عوامل عدم الاستقرار ستبقى. أما إذا تنازلت الأطراف عن المواقف العدمية والإقصائية، أكاد أجزم بأن الظروف تكون أصبحت مهيأة لوقف الحرب ومعالجة القضايا الشائكة المغيبة حالياً تحت شعارات فضفاضة مثل «لا للحرب»، وهذا موضوع يحتاج عودة في مقال لاحق.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كيف يكون الحل سودانياً كيف يكون الحل سودانياً



GMT 06:02 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 05:58 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 05:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 05:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 05:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 05:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 05:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon