توقيت القاهرة المحلي 22:20:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

محنة الديمقراطيات... ومخاوف الفاشية

  مصر اليوم -

محنة الديمقراطيات ومخاوف الفاشية

بقلم: عثمان ميرغني

ما بين أحداث برازيليا في الثامن من يناير (كانون الثاني) 2023، وأحداث واشنطن في السادس من يناير 2021، كثير من التشابهات والتقاطعات. ففي مناظر أعادت إلى الأذهان أحداث اقتحام مبنى الكونغرس الأميركي، وجددت الحديث عن محنة الديمقراطيات، هاجم أنصار الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو يوم الأحد الماضي الحي الحكومي في العاصمة واقتحموا مقار البرلمان والمحكمة العليا وقصر الرئاسة، واشتبكوا مع الشرطة لساعات قبل أن تستعيد السلطات السيطرة على الوضع. مثل أنصار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، فإن أنصار بولسونارو يرفضون الإقرار بهزيمته في الانتخابات الرئاسية الماضية، ويرفضون شرعية الرئيس المنتخب لويس إيناسيو لولا دا سيلفا ويريدون إطاحته.
في الحالتين سلطت الأحداث الأضواء مجدداً على حقائق مقلقة للكثيرين، وهي التحدي الذي يمثله تنامي تيار اليمين القومي المتطرف، وتأثير أنصار نظرية المؤامرة، وصعود سياسيين شعبويين، وهشاشة الديمقراطية عندما يستخدم بعض القادة السياسيين أنصارهم لتهديد مؤسساتها وتقويض مبادئها. فالسياسيون الذين يرفضون الاعتراف بنتائج الانتخابات إلا إذا جاءت لمصلحتهم، يقوّضون ركناً أساسياً من أركان الديمقراطية وهو مبدأ التداول السلمي على السلطة عبر صناديق الاقتراع. وعندما ينتقل الأمر من مجرد التشكيك في الكلام، إلى أحداث عنف واقتحام مؤسسات ورموز السلطة، فإن التهديد يصبح أخطر.
الحقيقة أنه منذ أحداث اقتحام مبنى الكابيتول في واشنطن قبل عامين كان متوقعاً أن تيارات الشعبويين واليمين القومي المتطرف، قد تجد فيها محفزاً لنقل معاركها مع الحكومات المركزية إلى مستوى آخر لا يقف عند حد حملات التشكيك ونظريات المؤامرة، بل يصل إلى حد محاولة تقويضها والانقلاب عليها.
ألمانيا على سبيل المثال استيقظت على أنباء مخيفة في السابع من ديسمبر (كانون الأول) الماضي عندما أعلنت السلطات عن إحباط محاولة انقلابية استهدفت إسقاط النظام الديمقراطي بتنفيذ هجمات مسلحة واغتيالات واقتحام مقر البرلمان والاستيلاء على مؤسسات السلطة، وتشكيل حكومة عسكرية «مؤقتة». وفي حملة مداهمات شملت 11 ولاية اعتقلت السلطات عشرات المشتبه بهم من اليمين القومي المتطرف وبالأخص من حركة «رايخسبورغ» أي «مواطنو الرايخ»، وهي حركة لا تعترف بالدولة الألمانية القائمة وتؤمن باستمرار إمبراطورية الرايخ. وقد ظلت أجهزة الاستخبارات الألمانية تراقب الحركة منذ سنوات وتحذر من نشاطاتها وحملاتها للتعبئة والتجنيد بما في ذلك استقطاب عسكريين سابقين.
أميركا فيها مثل هذه الحركات التي تعادي السلطة المركزية وتريد تقويضها ولو بالعمل العسكري والإرهاب، ولعل تفجير أوكلاهوما الذي نفذه في عام 1995عسكري سابق هو تيموثي ماكفي بمساعدة شريك آخر هو تيري نيكولز، كان مؤشراً على ذلك. أوروبا وحتى أستراليا ونيوزيلندا وكندا فيها حركات من اليمين المتطرف التي لا تتورع عن استخدام الإرهاب والسلاح، وتنسق أو تتأثر ببعضها البعض مثلما اتضح في أحداث كثيرة ومنها الاعتداءات التي استهدفت المهاجرين والمسلمين.
أنصار بولسونارو في البرازيل دعوا صراحة الجيش للتدخل، واعتصموا أمام مقر قيادته منذ إعلان فوز لولا دا سيلفا في الانتخابات الرئاسية مطالبين بانقلاب على الرئيس المنتخب، قبل أن يلجأوا يوم الأحد الماضي إلى اقتحام الكونغرس والمحكمة العليا وقصر الرئاسة. الدعوة للانقلاب لم تأتِ من فراغ، إذ تساءل كثيرون منذ وصول بولسونارو، النقيب السابق في الجيش، إلى السلطة في عام 2018، ما إذا كانت الديمقراطية البرازيلية ستصمد في عهده. فالرجل عرف عنه إعجابه بعهود الديكتاتورية العسكرية في البرازيل، ولديه تصريحات كثيرة في هذا الشأن حتى خلال رئاسته، بل إنه لوّح بإعادة فرضها على البلاد.
خلال العامين الأخيرين شحن بولسونارو أنصاره، وسار على نهج ترمب في القول إنه إذا خسر الانتخابات فسوف يعني ذلك أنها مزورة، وأن البرازيل ستواجه كثيرا من المشاكل. بل إنه لوح «بالحرب» ضد من وصفهم باللصوص الذين يريدون سرقة الانتخابات، وقال إن البرازيل ستواجه وضعاً أسوأ مما حدث في واشنطن في 6 يناير 2021.
صحيح أن الجيش لم يستجب لدعوات أنصار بولسونارو بالتدخل، لكن السلطات البرازيلية تشعر بالقلق من احتمال وجود عناصر عسكرية قد تستغل الأوضاع إذا تدهورت. الأمر الآخر أن أحداث الأحد الماضي كشفت أن الشرطة تباطأت في التدخل، وأن عدداً من عناصرها كانوا يتسامرون مع المحتجين المتوجهين لاقتحام المقار الحكومية، ويلتقطون صور «سيلفي» معهم بدلاً من التصدي لهم.
وإذا كان بولسونارو وأنصاره يشكلون الآن مصدر قلق للحكومة البرازيلية، فإن الرئيس السابق قد يصبح مصدر حرج للولايات المتحدة. فهو يقيم منذ هزيمته في الانتخابات الماضية، في ولاية فلوريدا الأميركية، ليس بعيداً عن «صديقه السياسي» ترمب. وجاء إلى فلوريدا قبيل تنصيب لولا دا سيلفا رافضاً نقل الوشاح الرئاسي لخصمه اللدود، في خطوة تعكس رفضه الاعتراف بهزيمته الانتخابية، والتشكيك في شرعية لولا وهو الخط الذي ينتهجه أنصاره من خلال احتجاجاتهم التي يطالبون فيها بتنحي الرئيس، قائلين إن مكانه هو السجن وليس القصر الرئاسي.
ورداً على اتهامات لولا له بدعم «الفاشية» وأعمال الشغب الأخيرة، أصدر بولسونارو رداً مقتضباً عبر فيه عن إدانته «لاقتحام ونهب المباني العامة»، وتأييده للاحتجاجات الشرعية السلمية. إلا أن ذلك لم يمنع سيل الانتقادات الواسعة التي اتهمته بشحن أنصاره الذين يريدون الانقلاب على الشرعية الديمقراطية، وينادون بتدخل الجيش لتسلم السلطة وإنهاء رئاسة لولا. كما أن عدداً من أعضاء الكونغرس الأميركي دعوا إلى طرده وعدم السماح له بتحويل مقر إقامته في فلوريدا إلى ملاذ لتقويض الديمقراطية في بلاده.
وسط هذه الأجواء ترددت تكهنات بأن بولسونارو ربما يتوجه للإقامة في إيطاليا إذا تصاعدت الأصوات المطالبة بإبعاده من فلوريدا وإعادته إلى بلاده التي ربما تحاكمه إذا ثبت ضلوعه بأي شكل في الأحداث التي أدت إلى اقتحام المباني الحكومية في برازيليا. أما لماذا إيطاليا، فلأنها حالياً تحت حكم أحزاب اليمين القومي المتطرف بقيادة رئيسة الوزراء جيورجيا ميلوني التي قادت حزبها «إخوان إيطاليا» المتجذر في بقايا الفاشية، إلى انتصار مذهل في الانتخابات الماضية، قض مضاجع أوروبا القلقة من تنامي مد اليمين القومي المتطرف والسياسيين الشعبويين.
انتقال بولسونارو إلى إيطاليا أو أي بلد أوروبي آخر لن يكون موضع ترحيب من الكثيرين، لأن القارة لديها مشاكلها وهمومها، وقد سارعت السلطات الإيطالية إلى نفيه. فالرئيس البرازيلي المهزوم سيكون مصدر قلق حيثما حل، لا سيما أن البرازيل قد تكون مرشحة لاضطرابات أخرى مقبلة في ظل التحديات الكثيرة التي تواجهها حكومة لولا دا سيلفا، وقد تكون هناك فصول أخرى لم تكتب بعد لتداعيات أحداث الأحد الماضي في العاصمة برازيليا.
في كل الأحوال فإن تلك الأحداث أعادت النقاش المحتدم منذ اقتحام مبنى الكابيتول في واشنطن، حول التحديات التي تواجهها الديمقراطيات بسبب خطابات الشحن والتأجيج من القيادات الشعبوية، وفي ظل صعود اليمين القومي المتطرف في أكثر من مكان. صحيح أن التهديد للديمقراطيات الراسخة أو الناشئة ليس أمراً جديداً، لكنه أصبح اليوم ظاهرة قابلة للانتقال السريع بسبب الإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي التي فتحت المجال واسعاً لحروب الإشاعات التي تغذي التأجيج، ووفرت منصات أتاحت للمتطرفين الترويج لأفكارهم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

محنة الديمقراطيات ومخاوف الفاشية محنة الديمقراطيات ومخاوف الفاشية



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon