توقيت القاهرة المحلي 06:10:04 آخر تحديث
  مصر اليوم -

السودان: حرب على هامش الحرب

  مصر اليوم -

السودان حرب على هامش الحرب

بقلم - عثمان ميرغني

السودان من بين الدول التي شهدت انقلابات ومحاولات انقلاب أكثر من أن تحصى، حتى صار أبسط الناس، ناهيك عن العسكريين، يعرفون أبجدياتها وخطواتها. فالأهداف الأولى للانقلابيين تكون عادة فرض السيطرة على مقر القيادة العامة للقوات المسلحة في الخرطوم، والسيطرة على مقار الأسلحة الرئيسية وبالأخص سلاح المدرعات، واعتقال القيادات، والسيطرة على مقر الإذاعة والتلفزيون لبث «البيان رقم واحد» وما يليه من قرارات ومن ثم التحكم في «الميكروفون» الذي يخاطب الناس.

لذلك فإن أول ما يخطر على البال عندما تسمع الروايات التي شغلت الناس خلال اليومين الماضيين عن محاولة انقلابية في الخرطوم واعتقال ضباط (قيل إنهم ثلاثة فيما جرى تداوله في الساعات الأولى)، هو أن الأمر كله «زوبعة في فنجان»، ضُخمت بسبب وسائل التواصل الاجتماعي وإدمان السودانيين عليها، وسرعة تداولهم لكل ما تقع عليه أنظارهم ومن دون تمحيص أو تفكُّر في كثير من الأحايين.

هل يمكن لعاقل أن يفكر في انقلاب عسكري في هذه الظروف؟ على ماذا سيسيطر؟ قيادات الجيش العليا موزعة بين بورتسودان والخرطوم وأمدرمان، والإذاعة والتلفزيون خارج السيطرة في الوقت الراهن، وقوات الجيش كلها مسلحة ومنتشرة في مناطق العمليات الشاسعة والبلد في حال حرب. كل هذه الظروف، كما يخبرك العسكريون، تعني أنه لا فرصة لنجاح أي عملية انقلابية، مهما كانت عقلية المغامرة والمخاطرة لمن يفكر فيها.

لذلك لم يكن غريباً أن رواية المحاولة الانقلابية سرعان ما ارتبكت؛ إذ أدخلت عليها تعديلات بين الرواة المختلفين، فقيل بعد سويعات قليلة إنها لم تكن عملية انقلابية وإنما تذمر بعض الضباط المتحمسين من بطء قرارات القيادة العليا في إدارة المعركة، وعدم إطلاق يد القوات المسلحة لتنفذ هجوماً شاملاً على قوات الدعم السريع باستخدام كل القوة النارية المتاحة. حتى هذه الرواية سرعان ما أُضيفت إلى طبختها «بهارات» ليقال إن الأمر انشقاق وإن الصراعات تفجرت بين مجموعات مختلفة متناحرة، مرة على أسس عقائدية، ومرة على أسس جهوية، ومرة ثالثة من منطلقات التشكيك في الولاءات. وفي هذا الإطار ربطت التكهنات المتطايرة في كل اتجاه بين الاعتقالات وزيارة عضو مجلس السيادة مساعد القائد العام الفريق إبراهيم جابر لمنطقة وادي سيدنا العسكرية للإيحاء بوجود خلافات ومحاولات لتعطيل العمليات العسكرية المتسارعة في منطقة أمدرمان.

وعلى الرغم من النفي الذي أصدره مكتب الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة بأنه لا صحة لأنباء محاولة انقلابية، فإن هذا لم يوقف ماكينة الشائعات والتكهنات والمبالغات، بل إن موقعاً صحافياً إلكترونياً اختار أن يعنون للموضوع بـ«اعتقالات بالجملة تطول قادة الجيش»، واشتط الخيال في عنوان آخر زعم أن الجيش السوداني بدأ التفكك من الداخل، بينما ذهبت الإثارة بجهات أخرى إلى التكهن بمحاولة لاغتيال الفريق ياسر العطا الذي يشرف على العمليات الناجحة في قطاع منطقة أمدرمان ويتمتع بشعبية وسط جنوده وبين الناس.

محاولات إثارة البلبلة هذه تأتي في الوقت الذي تحرز فيه القوات المسلحة تقدماً واضحاً في محاور العمليات العسكرية في منطقة أمدرمان وفي الخرطوم بحري، وفي الوقت الذي توشك أن تكمل سيطرتها على مقر الإذاعة والتلفزيون وبقية المناطق الأخرى الحيوية التي تجعل القيادة العسكرية قادرة على إعلان أمدرمان منطقة محررة، وهو أمر بات وشيكاً وفقاً للكثير من المصادر العسكرية، ومن واقع العمليات الميدانية الماثلة أمام الأعين. وفي هذا الصدد هناك أخبار أكدتها المصادر العسكرية عن أن «قوات الدعم السريع» الموجودة في مقر الإذاعة والتلفزيون منذ اندلاع الحرب في أبريل (نيسان) الماضي تريد الاستسلام وأن مفاوضات تجري معها حالياً لهذا الغرض بعد أن باتت محاصرة ومعزولة تماماً. فالجيش يريد تفادي اقتحام المقر بالقوة لو أمكن بسبب وجود عدد من العاملين الذين تحتفظ بهم «قوات الدعم السريع» على أنهم رهائن ودروع بشرية، ولا يستبعد أن يكون هناك تبرم من بعض ضباط الجيش الذين يريدون التعجيل بتسلُّم المقر بوصفه موقعاً حيوياً مهماً، ولأنهم يريدون أيضاً تحرير القوات الكبيرة التي تحاصر المكان لكي تنطلق نحو مهام أخرى.

على أي حال الجيش السوداني ليس معصوماً من الخلافات وحدوث تباينات لا سيما في وقت يشهد فيه البلد حرباً ضروساً وظروفاً بالغة الدقة والتعقيد في ساحة معارك وعمليات في مساحة تزيد على نصف مليون كيلومتر مربع. وليس سراً أن الكثير من الضباط والجنود يريدون تسريع وتيرة العمليات التي يرونها بطيئة، وقد رأينا وسمعنا في كثير من التسجيلات المصورة لجولات القائد العام الفريق عبد الفتاح البرهان والقادة الآخرين للحاميات العسكرية، جنوداً وضباطاً ينادون بـ«فك اللجام»، أي إطلاق يدهم للانطلاق في عمليات واسعة وهجمات شاملة. مثل هذه التباينات طبيعية والجيش السوداني ليس متفرداً في هذا المجال، فقد رأينا على سبيل المثال الكثير من التباينات تخرج إلى السطح في أوكرانيا حول مسار الحرب، لكن طبيعة تكوين الجيوش تجعلها تلتزم بالانضباط والهرمية في نهاية المطاف.

وكان لافتاً أن الفريق ياسر العطا خرج بتصريحات أول من أمس أكد فيها «وحدة القيادة، ووحدة القرار، ووحدة الهدف»، قائلاً إن القوات النظامية «تعمل خلف القيادة بقلب رجل واحد وفق تراتبية منتظمة». وختم بالتأكيد على أن «مطلوبات الانتصار كلها مكتملة» في أمدرمان والخرطوم بحري وولاية الجزيرة ومنها إلى كردفان، وبعدها الترتيب للتوجه إلى دارفور.

الحرب تدخل منعطفاً مهماً لا سيما في محاور العمليات في الخرطوم بمدنها الثلاث، وما يحدث على صعيد قطع الاتصالات الهاتفية وشبكة الإنترنت في أجزاء واسعة من البلاد، لا يمكن فصله عما يحدث من تحولات وتطورات في ميدان المعارك.

وفي هذا التوقيت أيضاً يكون متوقعاً أن تزداد الشائعات ومحاولات خلق البلبلة، لأن ذلك جزء من الحرب الإعلامية والنفسية التي تخصص لها إدارات وميزانيات وتعطى أهمية خاصة، وهو ليس بالأمر الجديد في الحروب، ناهيك في عصر العولمة وثورة الاتصالات وسطوة وسائل التواصل الاجتماعي.

كل هذا يعيدنا مرة أخرى للحديث المتكرر بين السودانيين عن ضعف إعلام الجيش والتفوق الواضح لإعلام «الدعم السريع» وهو ما ظهر مجدداً في زوبعة اليومين الماضيين، ويبقى مثار تساؤلات وحيرة الكثيرين. فكسب الحروب الإعلامية إذا كان مهماً في حروب الماضي، فإنه يعد أكثر أهمية في هذا العصر... وفي هذا المنعطف من حرب السودان.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السودان حرب على هامش الحرب السودان حرب على هامش الحرب



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon