توقيت القاهرة المحلي 03:23:43 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الحلقة المفقودة في مواجهة «كورونا» ومتحوراته

  مصر اليوم -

الحلقة المفقودة في مواجهة «كورونا» ومتحوراته

بقلم:عثمان ميرغني

بينما يقف العالم على أعتاب سنة ثالثة من الحياة مع فيروس «كورونا»، فإن السؤال الذي يتردد في أذهان أكثر الناس، متى ينتهي هذا الكابوس؟ فكلما لاحت بارقة أمل في عودة الحياة إلى شيء من طبيعتها، عاد الفيروس بمتحور جديد أسرع انتشاراً، لتبدأ دورة جديدة من القيود والإجراءات.
سلالة أوميكرون الجديدة رصدت في 77 دولة والأرجح أنها منتشرة في معظم دول العالم، حسب منظمة الصحة العالمية. وعلى الرغم من أنها تسبب أعراضاً مرضية أقل حدة، إلا أنها تثير قلقاً جدياً لعدة أسباب، في مقدمتها أن قدرة المتحور على الانتشار السريع يعني تزايد الإصابات بشكل قد يؤدي إلى شل الأنظمة الصحية، وعرقلة حياة الناس وأنشطتهم، وتعويق حركة الاقتصاد العالمي الذي لم يتعافَ بعد من آثار الموجتين الأولى والثانية من «كورونا»، ناهيك عن الموجة الثالثة، بل والرابعة التي تعيشها كثير من الدول الآن. السبب الآخر أن الانتشار السريع لأوميكرون سيعني أن تنكفئ الدول المقتدرة على نفسها وتستحوذ على المزيد من اللقاحات لتطعيم مواطنيها بجرعات ثالثة لتعزيز المناعة بعد أن أثبتت الدراسات المختبرية انخفاض فاعلية اللقاحات الحالية بدرجات متفاوتة أمام المتحور الجديد. هذا الأمر يعني أيضاً أن توجه شركات الدواء العالمية، جهودها نحو تطوير لقاحات أكثر فاعلية تسوّق بالطبع في الدول الغنية بينما ما يزال غالبية سكان الدول الفقيرة بلا تلقيح. وهنا المشكلة الأكبر.
ظل العلماء والمختصون يقولون بلا كلل أو ملل منذ بداية أزمة «كورونا»، إنها قضية دولية والعلاج لا بد أن يكون دولياً، محذرين من أن استحواذ الدول الغنية على إمدادات اللقاحات لن يحقق لها الحماية المطلوبة ما دامت الدول الفقيرة لا تحصل على التطعيم. فالفيروس يجد بيئة خصبة حيث لا يتوفر التطعيم، فيتحور وينتشر مجدداً في هذه القرية الكونية بسلالات جديدة أشد شراً وأكبر خطراً. واليوم يحذر بعض العلماء أنه إذا ظلت أغلبية دول العالم الفقيرة بلا تطعيم كافٍ، فإن فيروس «كورونا» بتحوراته سيبقى معنا كمشكلة كبرى حتى العام 2025 وربما إلى ما لا نهاية مثل الإنفلونزا. ومع الهلع الجديد الذي أثاره الانتشار السريع والمذهل لمتحور أوميكرون بدأت أغلبية الدول، لا سيما في العالم الصناعي، تفرض قيوداً وإجراءات مشددة مصحوبة بحملات لدعم التطعيم في مختلف الفئات العمرية بما في ذلك الأطفال.
هذه النقطة تحديداً ركز عليها تيدروس أدهانوم غيبريسوس المدير العام لمنظمة الصحة العالمية عندما قال للصحافيين، أول من أمس، إن المنظمة تشعر بالقلق من أن برامج تعزيز التطعيم ستؤدي إلى تكرار استحواذ الدول الغنية على اللقاحات المنتَجة وتخزينها، مما يفاقم الفوارق الكبيرة في توزيع اللقاحات بين الدول، وبالذات بين الدول الغنية والفقيرة.
ومع اتساع هذه الهوة في التطعيم والتي يسميها البعض «التفرقة اللقاحية»، على وزن التفرقة العنصرية، يبقى فيروس «كورونا» مشكلة خطيرة مستمرة، لأنه سيجد دائماً بيئة خصبة في الدول المحرومة من اللقاحات يتحور فيها ليعود للانتشار مجدداً في الدول الغنية بسلالات تضعف من تأثير اللقاحات، وهكذا نبقى ندور في حلقة مفرغة.
يستطيع المرء أن يتفهم أن الدول تعطي الأولوية لمواطنيها في التطعيم والحماية، لكن بعد الجرعة الأولى ثم الثانية لا بد أن يتساءل الناس عن جدوى استمرار سياسة الانكفاء، وعما إذا كان الوقت قد حان لتوجيه الطاقات نحو محاربة الفيروس بمنظور عالمي وبجهد مشترك يضع اللقاحات في متناول الجميع. فالسياسات الراهنة إذا كانت مجدية، لما كانت الدول الغنية تواجه وضعاً خطيراً مع متحور أوميكرون.
خذ أميركا على سبيل المثال التي تجلس على صدارة الاقتصاد العالمي ولديها بعض أهم شركات الدواء ومنها فايزر وموديرنا اللتان تتصدران قائمة منتجي لقاحات «كوفيد»، وعلى الرغم من ذلك تعيش اليوم رعب متحور أوميكرون الذي ظهر أولاً في جنوب أفريقيا لينطلق منها نحو بقية العالم. وهذا الأسبوع وقفت أميركا أمام لحظة حزينة عندما تجاوز عدد وفيات «كوفيد» فيها 800 ألف شخص، وهو الأعلى في أي بلد ويشكل أزيد من 15 من وفيات «كوفيد» عالمياً التي بلغت نحو 5.3 مليون إنسان.
خذ بريطانيا كنموذج آخر، فهي كانت أول دولة في العالم تبدأ استخدام لقاحات «كوفيد» لتطعيم مواطنيها، لكنها تواجه الآن انتشاراً مرعباً لمتحور أوميكرون. فعدد الإصابات تجاوز حاليا 200 ألف إصابة في اليوم، ويتوقع بعض الخبراء ومنهم الدكتورة سوزان هوبكنز مستشارة الحكومة البريطانية في شؤون الصحة العامة، أن يصل العدد إلى مليون إصابة يومياً نهاية الشهر الحالي، إذا استمر الانتشار بالوتيرة الراهنة.
الأمثلة كثيرة بلا شك، والرسالة النهائية واحدة، وهي أنه لا حصانة أو أمان لأي دولة ضد «كورونا» ومتحوراتها، إذا بقي جزء من البشرية بلا تطعيم. ولا غرابة أننا نسمع اليوم انتقادات في الدول الغربية لمعالجة السياسيين للأزمة، إذ أن الناس تعبوا من استمرار القيود والضغوط على أسلوب حياتهم ومعيشتهم، ومن الرسائل المتضاربة التي يسمعونها، من دون رؤية ضوء في نهاية النفق على أن الأزمة تقترب من نهايتها. فعندما يستمعون أحياناً إلى مناقشات ومجادلات السياسيين بشأن خطط التصدي لفيروس «كورونا» ومتحوراته، لا يشعرون بالثقة أن قادتهم يملكون رؤية واضحة حول كيفية معالجة الأزمة. والثقة بلا شك هي أهم بضاعة يمكن أن يسوقها السياسي في أوقات الأزمات كي يقنع الناس حتى يتبعوه في قراراته وإجراءاته.
في مناقشات البرلمان البريطاني أول من أمس لتمرير حزمة الإجراءات الجديدة التي أعلنها رئيس الوزراء بوريس جونسون، تمرد عليه 99 نائباً من حزبه وصوتوا ضد الإجراء الذي يفرض إبراز شهادة تطعيم أو نتيجة فحص حديث تثبت الخلو من «كوفيد»، لمن يريد دخول أماكن معينة، ما اضطره للاعتماد على أصوات حزب العمال المعارض. حتى بين المؤيدين كانت هناك آراء ناقدة لبعض جوانب الخطة، ولأن التمرد في صفوف نواب حزب المحافظين كان الأكبر الذي يواجهه جونسون منذ توليه رئاسة الحكومة، فإن هناك شكوكاً جدية في أن يقدم على أي إجراءات مشددة أخرى، لا سيما أنه فقد ثقة غالبية الناس أخيراً بسبب فضيحة تنظيم حفلات في مقر رئاسة الحكومة، في خرق واضح لإجراءات الحظر على التجمعات المفروضة في البلد آنذاك (نوفمبر وديسمبر 2020).
مثل هذه المجادلات تجدها في المناقشات الجارية في كثير من الدول حول إجراءات التصدي لأصعب أزمة يعرفها العالم منذ نحو قرن. المحزن أن النغمة الطاغية هي معالجة كل دولة للأزمة داخل حدودها، بينما المطلوب نظرة شمولية وإرادة سياسية تعلّي صوت العلماء الذين ظلوا ينبهون إلى ضرورة عولمة الحرب على «كوفيد» وإيصال اللقاحات إلى الدول الفقيرة. عندها فقط يمكن للعالم أن يكبح جماح «كورونا» الذي قلب الحياة رأساً على عقب.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحلقة المفقودة في مواجهة «كورونا» ومتحوراته الحلقة المفقودة في مواجهة «كورونا» ومتحوراته



GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

GMT 22:47 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حرب القرن

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 19:22 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار عملية ومختلفة لتزيين الشرفة المنزلية الصغيرة
  مصر اليوم - أفكار عملية ومختلفة لتزيين الشرفة المنزلية الصغيرة

GMT 03:53 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

ترامب يرد على منتقديه في تجمع انتخابي بولاية جورجيا
  مصر اليوم - ترامب يرد على منتقديه في تجمع انتخابي بولاية جورجيا

GMT 16:35 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

الجيش الإسرائيلي يتخبّط في "أزمة حادة"
  مصر اليوم - الجيش الإسرائيلي يتخبّط في أزمة حادة

GMT 19:05 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

حلا شيحة تكشف عن سبب ابتعادها عن الأعمال الرمضانية
  مصر اليوم - حلا شيحة تكشف عن سبب ابتعادها عن الأعمال الرمضانية

GMT 10:37 2021 الجمعة ,22 كانون الثاني / يناير

تعرف على من هو أحمد مناع أمين مجلس النواب 2021

GMT 06:45 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

أبرز فوائد فيتامين " أ " على صحة الجسم والمناعة

GMT 09:47 2020 الثلاثاء ,03 آذار/ مارس

عبد المهدي يتخلى عن معظم مهامه الرسمية

GMT 04:22 2019 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

ريم مصطفى تؤكد أن مسلسل "شديد الخطورة" تجربة مختلفة

GMT 07:44 2019 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

سامي مغاوري يتحدى ابنه في "واحد من الناس" مع عمرو الليثي

GMT 21:05 2019 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

مصرية تطلب الخلع من زوجها وتتفاجئ من رد فعله

GMT 18:29 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل شخص وإصابة اثنين فى حادث تصادم بالدقهلية

GMT 19:21 2019 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

بوسى برفقة حلا شيحة فى أغرب إطلالة لها
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon