توقيت القاهرة المحلي 03:30:52 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«القوى الخفية» ومعركة «كورونا»

  مصر اليوم -

«القوى الخفية» ومعركة «كورونا»

بقلم :عثمان ميرغني

نظريات المؤامرة المحيطة بفيروس «كورونا» لم تتوقف منذ ظهوره نهاية العام الماضي وحتى اللحظة، ولا أحسب أنها ستتوقف حتى لو اكتشف علاج لـ«كوفيد - 19» ولقاح للمناعة ضد الفيروس. ففي الوقت الذي يصارع عدد كبير من الدول حول العالم لاحتواء تزايد الإصابات بعد فترة وجيزة من انحسارها وسط مخاوف من موجة ثانية، خرجت يوم السبت الماضي مظاهرات في عدة عواصم غربية تصدرها أصحاب نظرية المؤامرة لمناهضة الإجراءات الحكومية مثل لبس الكمامات، واختبارات الفحص، وقيود الإغلاق و«التباعد الآمن» باعتبارها كلها خدعة لتمرير مخططات، ومؤامرة تديرها أقلية متنفذة وقوى خفية يصفونها بـ«حكومة العالم السرية» الساعية للسيطرة على البشرية.
اللافتات والشعارات التي رفعت خلال هذه المظاهرات كان بعضها شديد الغرابة مثل «الكمامات تقلل المناعة»، و«لا للاستبداد الطبي»، وبعضها معروف ومتداول مثل «نعم للحرية.. لا للخوف»، و«لا للمألوف الجديد» و«الكورونا كذبة». وعلى الرغم من أن أعداد المتظاهرين قدرت بالمئات في عواصم وببضعة آلاف في عواصم أخرى، إلا أن هذا لا يلغي حقيقة أن نظرية المؤامرة تجد رواجاً في الإنترنت ومنصات وسائل التواصل الاجتماعي، وأن تأثيرها يثير قلق الحكومات بسبب نشر المعلومات المضللة، أو لأن بعض الحركات المتطرفة تستغلها لإثارة المخاوف، وتأجيج المشاعر ضد سياسات الحكومات لمواجهة أخطر فيروس يضرب العالم منذ جائحة «الأنفلونزا الإسبانية» التي استمرت عامين (1918 - 1920) وحصدت نحو 50 مليون إنسان.
وبعد المرحلة الأولى من نظريات المؤامرة التي ركزت على أن «كوفيد - 19» الناجم عن فيروس «كورونا» خدعة روجت لها «القوى الخفية» وحكومات غربية، فإن المرحلة الثانية تركز على مناهضة إجراءات الوقاية ومعارضة اللقاح والتطعيم. فهناك ترويج لمزاعم أن اللقاح سيكون بزرع خلية متناهية الصغر في جسم الإنسان للسيطرة عليه وتتبع كل تحركاته، أو لحقن بعض الناس (كبار السن أو مجموعات عرقية معينة) بجرعات قاتلة. ونتيجة لذلك برزت مخاوف جدية من تأثير مثل هذه المزاعم وغيرها من الأفكار السلبية على الناس مما يعرقل جهود كبح الفيروس، ويثير الشكوك حول أي لقاح يصبح متاحاً في المستقبل. وبدأت بعض الجهات تطالب منصات شبكات التواصل الاجتماعي بحجب الأكاذيب ونظريات المؤامرة، وتدعو الحكومات ومنظمة الصحة العالمية للقيام بجهد أكبر للتصدي للمزاعم الضارة ودحضها.
في موازاة هذه الحملات، تكثف الجهود العلمية والطبية وتجرى التجارب حالياً على أكثر من مائة عقار ودواء محتمل، في ظل سباق محموم بين الدول وشركات الدواء الكبرى والمختبرات البحثية لإحراز السبق. وبعض هذه التجارب وصل إلى مراحل متقدمة، وأتى بنتائج أولية واعدة. فالتوصل إلى لقاح لن يكون سبقاً علمياً وحسب، بل خطوة ستحقق مليارات الدولارات من الأرباح. الطريف أن تسارع وتيرة التجارب أدى وفقاً لمجلة «أتلانتيك» الأميركية، إلى نقص في إمدادات القرود للمختبرات في الولايات المتحدة، إذ إن أي لقاح جديد يجرب عليها عادة قبل استخدامه على البشر. إلا أن المشكلة أعقد من ذلك وربما تتعلق أكثر بمحدودية عدد المختبرات المؤهلة لمثل هذه التجارب. فالحيوانات التي تحقن باللقاحات في طور التجريب توضع في غرف خاصة مزودة باحتياطات عالية لكي لا تتسرب منها جراثيم الأمراض القاتلة. المفارقة أن الصين التي يحملها الرئيس دونالد ترمب مسؤولية جائحة «كورونا» التي يسميها «فيروس الصين»، هي من بين أكبر مصدري القرود للمختبرات الأميركية.
الأمر المقلق أنه بسبب السباق المتسارع لاكتشاف لقاح، بدأت بعض المعامل والشركات تتخطى مرحلة التجريب على القرود وتقفز مباشرة للتجريب على متطوعين من البشر، ما يثير أسئلة أخلاقية جدية. فاللقاحات والأدوية تخضع لتجارب عديدة قبل تجريبها على البشر، وتستمر التجارب لفترة تتراوح بين 12 و18 شهراً أو أكثر، وبعدها يمكن الحصول على شهادات التصديق المطلوبة للتسويق والاستخدام البشري. لذلك يتخوف كثيرون من أن بعض الشركات قد تسارع لتسويق لقاح أو دواء لم يجرب بما فيه الكفاية، وبالتالي تكون هناك شكوك حول مدى فعاليته، والأخطر من ذلك أن تكون له مضاعفات سلبية تهدد صحة المتلقي أكثر من «كورونا»، مما سيكون سلاحاً جديداً في أيدي أصحاب نظرية المؤامرة.
أمر آخر قد يواجه الحكومات في وقت لاحق عندما يتم التصديق للقاح، وهو إقناع كثير من الناس المتشككين بضرورة التطعيم. فهناك أعداد كبيرة من الناس الذين يرتابون من اللقاحات ويرفضونها، لا سيما أن هناك لقاحات جربت في الماضي وتبين بعد سنوات عدة ضررها. فوفقاً لاستطلاع حديث فإن واحداً من كل ستة بريطانيين على سبيل المثال سيرفض التطعيم باللقاح عندما يصبح متاحاً لأنه لا يشعر بالثقة بنجاعته، أو لأنه يصدق بعض ما يردده أصحاب نظرية المؤامرة بشأن مضار اللقاحات وأنها إما أن تكون وسيلة لإرهاب الناس والسيطرة عليهم، أو لقتل كبار السن، أو إبادة مجموعات عرقية بعينها، وأنها جزء من مخططات «القوى الخفية» الشريرة.
في أميركا على سبيل المثال تتساءل بعض الدوائر عما إذا كان في مقدور هذه الإدارة الأميركية أو غيرها فرض التطعيم على الناس في ظل وجود مجموعات كبيرة ترفضه متسلحة بنظرية المؤامرة، أو بنتائج سلبية ماضية للقاحات أمراض أخرى. الخبراء يقولون إنه لا يمكن للإدارة جعل التطعيم إلزامياً لأن الأمر يحتاج إلى موافقة الكونغرس وموافقة حكام الولايات الذين في يدهم صلاحية التعامل مع هذه الطوارئ الصحية مثل «الكورونا» التي تعاملت فيها كل ولاية تقريباً بطريقة مختلفة. ولا شك أن أي محاولة لفرض التطعيم على الناس سيواجه بمقاومة من بعض الفئات في منصات الإنترنت وفي الشوارع وفي المحاكم أيضاً.
أصحاب نظرية المؤامرة يرفضون أيضاً نظام «الاختبار والتتبع» الذي تطبقه عدة دول في إطار جهود احتواء «كورونا» ومنع انتشارها على نطاق واسع. ويقول هؤلاء إن نظام التتبع ما هو إلا مخطط من الحكومات لجمع المعلومات الشخصية عن الناس وتحركاتهم، ويروجون لرفض ما يسمونه «نظام الصحة البوليسي». وأتباع نظرية المؤامرة ليسوا كلهم من «الجهلة والمغفلين» كما يصورهم البعض، بل هناك شخصيات بارزة ومثقفة أيضاً وراء هذا التيار، وهؤلاء في العادة ممن يرفضون سطوة الحكومات بشكل مطلق، ويعارضون أي تحرك يرونه مقيداً للحريات.
الصراع مع أفكار ونظريات المؤامرة ليس أمراً جديداً، ولا هو مقتصراً على جائحة «كورونا»، لكنه في ظل التأثير المتزايد لوسائل التواصل الاجتماعي، وانتشار الكثير من المعلومات المضللة فيها، يصبح قضية معقدة وأبعادها المحتملة بالغة الخطورة. فعلى الرغم من أن نسبة المتأثرين بنظرية المؤامرة قد تكون ضئيلة بالقياس إلى عدد الناس الذين ينتظرون بفارغ الصبر اكتشاف لقاح ضد الفيروس الذي دمر اقتصاديات العالم وغيّر معالم حياة الناس، إلا أن المشكلة تبقى في قدرة «كورونا» على الانتشار السريع. فقلة صغيرة تسير وراء الأفكار المضللة ونظريات المؤامرة، يمكن أن تصبح ناقلة للعدوى وتشكل بؤراً تهدد الأكثرية، وهنا المصيبة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«القوى الخفية» ومعركة «كورونا» «القوى الخفية» ومعركة «كورونا»



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 03:53 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

ترامب يرد على منتقديه في تجمع انتخابي بولاية جورجيا
  مصر اليوم - ترامب يرد على منتقديه في تجمع انتخابي بولاية جورجيا

GMT 04:30 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

قائمة الفائزين بـ"جوائز الكرة الذهبية" 2024
  مصر اليوم - قائمة الفائزين بـجوائز الكرة الذهبية 2024

GMT 19:22 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار عملية ومختلفة لتزيين الشرفة المنزلية الصغيرة
  مصر اليوم - أفكار عملية ومختلفة لتزيين الشرفة المنزلية الصغيرة

GMT 19:05 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

حلا شيحة تكشف عن سبب ابتعادها عن الأعمال الرمضانية
  مصر اليوم - حلا شيحة تكشف عن سبب ابتعادها عن الأعمال الرمضانية

GMT 10:37 2021 الجمعة ,22 كانون الثاني / يناير

تعرف على من هو أحمد مناع أمين مجلس النواب 2021

GMT 06:45 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

أبرز فوائد فيتامين " أ " على صحة الجسم والمناعة

GMT 09:47 2020 الثلاثاء ,03 آذار/ مارس

عبد المهدي يتخلى عن معظم مهامه الرسمية

GMT 04:22 2019 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

ريم مصطفى تؤكد أن مسلسل "شديد الخطورة" تجربة مختلفة

GMT 07:44 2019 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

سامي مغاوري يتحدى ابنه في "واحد من الناس" مع عمرو الليثي

GMT 21:05 2019 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

مصرية تطلب الخلع من زوجها وتتفاجئ من رد فعله

GMT 18:29 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل شخص وإصابة اثنين فى حادث تصادم بالدقهلية

GMT 19:21 2019 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

بوسى برفقة حلا شيحة فى أغرب إطلالة لها
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon