بقلم : عثمان ميرغني
التحذير الذي أطلقته شونا أميناث وزيرة البيئة والتغير المناخي في جزر المالديف، أمام قمة المناخ في غلاسكو (أسكوتلندا) التي اختتمت السبت الماضي، كان صادماً، ولعله صمم هكذا لكي ينبهنا إلى حجم المخاطر المتسارعة نتيجة التغيرات المناخية. فالحديث عن التهديدات للأرض لم يعد يحسب بالسنوات، وإنما بالشهور، بل إن بعضه ماثل أمامنا ونراه بكل وضوح يوماً بعد يوم. موجات الحر غير المسبوقة، الفيضانات والسيول، حرائق الغابات، انقراض بعض الحيوانات والحشرات، موجات الجفاف، كلها تغيرات محسوسة وكوارث يعيشها العالم مع التقلبات المناخية الناجمة عن الاحتباس الحراري.
الوزيرة أميناث، التي برزت كناشطة في قضايا المناخ في سن مبكرة بحكم المخاطر التي تهدد بلدها، خاطبت المشاركين في القمة قائلة «بالنسبة للبعض فإن الخسائر والأضرار قد تكون بداية للحديث والحوار، لكنها بالنسبة لنا فهي مسألة بقاء. أمامنا 98 شهراً لخفض الانبعاثات العالمية إلى النصف. الفرق بين 1.5 درجة ودرجتين هو حكم الإعدام بالنسبة لنا».
الثمانية وتسعون شهراً، هي إشارة للفترة التي تفصلنا عن العام 2030 حين يفترض أن تفي دول العالم بتعهداتها فيما يتعلق بخفض الغازات الدفيئة بنسبة 45 بحلول ذلك التاريخ للإبقاء على أمل الخفض الصفري للغازات المسببة للاحتباس الحراري بحلول 2050 للحفاظ على معدل ارتفاع حرارة الأرض بـ1.5 درجة مئوية بنهاية القرن الحالي.
كلام الوزيرة أميناث لم يكن ينبع من فراغ، فالمالديف مثل كثير من الجزر، وعدد من المدن الساحلية حول العالم مثل أمستردام وبانكوك وكلكتا وغيرها، مهددة بشكل مباشر من ظاهرة الاحتباس الحراري وارتفاع منسوب مياه المحيطات والبحار.
قمة المناخ في غلاسكو استمعت على مدى أسبوعين إلى الكثير من الكلمات والتحذيرات عن تأثيرات الاحتباس الحراري، والمخاطر المتسارعة، راهناً ومستقبلاً، على البشرية من التغيرات المناخية، لكن بنهايتها خرج الناس منقسمين حول النتائج. المتفائلون يرون أن «ميثاق غلاسكو للمناخ» حقق إنجازاً مهماً باعتباره أول اتفاق مناخي ينص صراحة في وثائقه على خفض استخدام الفحم، الذي يعد مساهماً كبيراً في انبعاث غازات الاحتباس الحراري. لكن حتى في هذا الإنجاز لم تكن الفرحة كاملة، إذ إنه بسبب المعارضة القوية من الهند والصين اضطر المؤتمر لتخفيف البيان الختامي لينص على «التقليص المتدرج» لاستخدام الفحم بينما كانت الصيغة الأولى المقترحة تنص على «التخلص التدريجي والنهائي»، وهو ما قوبل باستياء كثير من المشاركين. بل إن رئيس المؤتمر ألوك شارما غالب دموعه وهو يقول للمؤتمر إنه يشعر «بالأسف الشديد» للكيفية التي سارت بها الأمور في هذا الموضوع، لكن التنازل كان ضرورياً لحماية الاتفاقية ككل» ولإنقاذ المؤتمر من الفشل في قضية حيوية.
فالفحم مسؤول عن حوالي 40 من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون السنوية، والاتفاق بشأن خفض استخدامه وصولاً إلى منعه تماماً يجعله محورياً في الجهود للوصول إلى هدف 1.5 درجة مئوية في ارتفاع درجات الحرارة الذي اتفق عليه في مؤتمر باريس للمناخ عام 2015، وما يزال العالم بعيداً عنه بالوتيرة التي يسير عليها اليوم.
تأثيرات المناخ لا تفرق بين غني وفقير، وإن كان تأثيرها على الدول الفقيرة أكبر لأنها لا تملك الموارد المالية والقدرات التقنية لمواجهة آثار هذه التغيرات واحتوائها. فحسب مؤشر مخاطر المناخ الذي يعكس مدى تعرض البلدان للعواقب المباشرة للتغيرات المناخية والنتائج الكارثية التي تترتب عليها عبر الخسائر الاقتصادية والوفيات، ويتم قياسه سنوياً، فإن الدول العشر الأولى في العالم الأكثر عرضة للمخاطر المدمرة للتغيرات المناخية هي اليابان، والفلبين، وألمانيا، ومدغشقر، والهند، وسيريلانكا، وكينيا، ورواندا، وكندا، وفيجي.
وفي الشرق الأوسط اجتمعت آثار الحروب مع التغيرات المناخية لتخلق تحديات مصيرية. ففي بداية العام الحالي، حذر برنامج الغذاء العالمي من أن أكثر من 12 مليون سوري يعانون من خطر الجوع بسبب أسوأ موجة جفاف منذ نحو 7 عقود. وفي العراق حذرت الحكومة من أن النقص الحاد في المياه سيؤدي إلى خفض مساحة المحاصيل التي ستزرع في موسم الحصاد المقبل إلى النصف مقارنة مع المساحة المزروعة العام الماضي. وتقدر منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) أن إنتاج القمح مثلاً سينخفض بنسبة 70 نتيجة موجات الجفاف الشديدة التي تفاقمت بسبب الاحتباس الحراري، وانخفاض منسوب المياه من نهري دجلة والفرات.
كل هذا يهدد بحدوث موجات لجوء وهجرة جديدة. والمشاهد المروعة على الحدود البولندية مع روسيا البيضاء خلال الأيام الماضية حيث يمكث آلاف اللاجئين السوريين والعراقيين، خاصة الأكراد، في ظروف غير إنسانية على أمل دخول الاتحاد الأوروبي بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية، هو دليل على الخطر المقبل أمام العالم.
الخطر لا يتهدد بالطبع العراق وسوريا وحدهما، فهناك تقارير دولية تشير إلى أن أكثر من نصف سكان العالم يعانون حالياً من انعدام الأمن المائي وأن نحو 140 مليون شخص قد يضطرون للنزوح من مناطقهم في أفريقيا وجنوب شرقي آسيا وأميركا اللاتينية بحلول العام 2050 نتيجة مشاكل شح المياه وتراجع الزراعة، أو بسبب غرق قراهم مع ارتفاع منسوب مياه البحار. ويحذر البنك الدولي من أننا إذا لم نفعل شيئاً لمواجهة هذه المخاطر، فإن التغيرات المناخية قد تدفع 100 مليون شخص إضافي إلى الفقر بحلول عام 2030.
الدول الفقيرة التي تعد الأقل إسهاماً في مشكلة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون ومن بين الأكثر تضرراً من نتائجها كانت تنتظر زيادة المساعدات من الدول الغنية لمساعدتها على التكيف مع تأثيرات المناخ والتحول نحو الطاقة النظيفة، لكن الموضوع بقي من القضايا الخلافية في مؤتمر غلاسكو. فالدول النامية عبرت عن استيائها الشديد من أنه لم يتم الوفاء بالتعهد الذي قدمته الدول الصناعية المتقدمة عام 2009 بتوفير مبلغ 100 مليار دولار سنوياً للاقتصادات الناشئة بحلول عام 2020 لمساعدتها على مواجهة التغيرات المناخية.
المأساة للأجيال المقبلة أن قادة العالم وكل المنظمات الدولية ترى الخطر الوجودي المحدق بالأرض وساكنيها، لكن الخطوات المتخذة للحد من الخطر تبقى أقل كثيراً مما يأمله العلماء والمختصون. وبرغم كل ما أعلن في غلاسكو من قرارات، فإن العالم يتجه نحو ارتفاع في التسخين الحراري إلى نحو 2,7 درجة مئوية وهو أمر كارثي. الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش غادر المؤتمر محذراً من أن كوكبنا «معلق بخيط رفيع، وما زلنا نطرق باب الكارثة المناخية... حان الوقت للذهاب إلى وضع الطوارئ».
الاجتماعات الدولية برعاية الأمم المتحدة تكون عادة مناسبة للتذكير بالمخاطر الوجودية أمامنا وأمام الأجيال المقبلة، لكن مع أزمة المناخ، فإن الاجتماعات السنوية والالتزامات الفضفاضة وحدها لن تكون كافية لإنقاذ الأرض، فهناك حاجة للتفكير خارج الصندوق في تعاون دولي أكبر عابر للدول، فما من أزمة دولية جديرة بتعاون دولي أكبر من التغيرات المناخية. هناك أصوات عديدة تطالب بتعاون وجهد دولي أكبر في «تكنولوجيا المناخ»، أي كل أشكال التكنولوجيا المتطورة التي يمكن أن تساهم في عكس آثار الاحتباس الحراري. لكن هذا يستلزم بدلاً من المنافسة، نهجاً تعاونياً بين دول العالم الغنية - الغنية، والغنية - الفقيرة على نطاق غير مسبوق.
فهل يستمع العالم إلى التحذيرات المتسارعة في وتيرتها، أم تستمر الوعود والخطب و«الثرثرة» كما قالت الناشطة السويدية غريتا ثونبيرغ، بينما الأرض تئن تحت وطأة الكوارث التي باتت مهدداً جدياً للحياة فيها.