توقيت القاهرة المحلي 22:20:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أميركا العاجزة عن درء محنتها!

  مصر اليوم -

أميركا العاجزة عن درء محنتها

بقلم:عثمان ميرغني

عقب مجزرة المدرسة في تكساس الأسبوع الماضي والتي هزّت أميركا وصدمت العالم مجدداً، خرج عدد من السياسيين، من بينهم الرئيس السابق دونالد ترمب وأعضاء بارزون في الكونغرس مثل السيناتور تيد كروز، للدفاع عن حق حمل السلاح، وقدموا اقتراحات مثل تسليح المدرسين وتخصيص المزيد من الأموال لتعزيز إجراءات حماية المدارس. ونادى البعض بنشر أجهزة الكشف عن المعادن وفحص الأمتعة الشخصية على بوابات المدارس على غرار ما يحدث في المطارات.
الحقيقة، أن هناك مدارس في الولايات المتحدة طبّقت إجراءات أكثر مما هو موجود في المطارات، لكن ذلك لم يمنع المجازر. في كثير من المدارس تم اتخاذ إجراءات مثل تركيب كاميرات مراقبة في الداخل والخارج، واستخدام أجهزة الكشف عن المعادن، حيث يمر الطالب عبر بوابة خاصة أو يُفحص بالجهاز المحمول باليد. وهناك أيضاً تفتيش يدوي للحقائب، وإغلاق الأبواب بعد دخول الطلاب، بينما وظّفت مدارس وجامعات رجال أمن مسلحين، أو درّبت العاملين فيها على استخدام السلاح.
التقديرات تشير إلى أن هناك صناعة بمليارات الدولارات قامت لتستفيد من بيع معدات الأمن والمراقبة للمدارس والجامعات في الولايات المتحدة، لكن المشكلة لا تزال تؤرق بلداً يحدث فيه إطلاق نار على طفل كل ساعة في المتوسط، وخلال السنوات العشر الماضية قُتل نحو 30 ألف طفل ومراهق بالرصاص ليتجاوزوا بذلك عدد من قُتلوا في حوادث الطرق من هذه الفئة العمرية. واستناداً إلى كتاب «أطفال تحت النار: أزمة أميركية» ومؤلفه جون وودرو كوكس، فإن دراسة عن ضحايا السلاح في البلدان الغنية في العالم، بما في ذلك كندا وألمانيا وبريطانيا، وجدت أن 91 في المائة من الأطفال دون سن خمسة عشر عاماً الذين قُتلوا بالرصاص كانوا في أميركا. وأورد الكتاب إحصائية من دراسة أخرى تقول، إن المراهقين الأكبر سناً كانوا أكثر عرضة بنسبة 82 مرة للوفاة من عنف السلاح في الولايات المتحدة مقارنة بأي دولة ديمقراطية غنية أخرى.
أميركا لديها مشكلة حقيقية تبدو غير قادرة أو غير راغبة في معالجتها بسبب ثقافة السلاح المتجذرة والانقسام حول الموضوع، وقوة جماعات الضغط العاملة لمصلحة دعاة حمل السلاح. فعدد من قتلوا بالرصاص في أميركا منذ عام 1968 وحتى اليوم يتجاوز عدد جنودها الذين قُتلوا في كل حروبها مجتمعة. والرصاص يحصد سنوياً أكثر من أربعين ألف شخص، وعلى الرغم من ذلك لا حل في الأفق لمشكلة حمل السلاح.
ووفقاً لبعض التقديرات، هناك أكثر من 400 مليون قطعة سلاح في أيدي المواطنين الأميركيين، أي أكثر من عدد سكان البلد البالغ 326 مليون نسمة. تتفوق أميركا في هذا المجال على أي بلد آخر في العالم، وهو تفوق جلب عليها الكثير من المآسي. الأمر اللافت، أن هذه الأسلحة موجودة في حوزة 42 في المائة من البيوت أو الأسر، بمعنى أن كل واحدة من هذه الأسر لديها في المعدل نحو 8 قطع سلاح.
وقد جاء في الإصدار الأخير للمسح العالمي عن امتلاك الأسلحة الصغيرة، والذي أجراه المعهد العالي للدراسات الدولية والتنمية في جنيف، وشمل 230 دولة، أن الولايات المتحدة تتصدر القائمة بلا منازع. ففي عام 2017، على سبيل المثال، كان الأميركيون يشكّلون 4 في المائة من سكان العالم، لكنهم يمتلكون نحو 46 في المائة من إجمالي الأسلحة الصغيرة الموجودة في العالم في أيدي مواطنين عاديين، أي خارج ما هو موجود لدى القوات النظامية. اليمن جاء في المركز الثاني بعد أميركا من حيث نسبة امتلاك السلاح مقارنة مع عدد السكان.
موضوع السلاح في أميركا معقّد للغاية بسبب التعديل الثاني في الدستور الذي اعتمد عام 1791 ضمن التعديلات العشرة التي عرفت باسم «وثيقة الحقوق»، ويعطي الحق للمواطنين في حمل السلاح. ويقول التعديل «حيث إن وجود ميليشيا حسنة التنظيم ضروري لأمن أي ولاية حرة، لا يجوز التعرض لحق الناس في اقتناء الأسلحة وحملها». ويعد هذا التعديل من أكثر التعديلات إثارة للجدل بسبب انتشار جرائم السلاح.
هناك أيضاً إشكالية في تفسير هذا النص الدستوري الذي اختلف حوله عدد من القانونيين. فهناك تيار ينظر إلى النص في سياقه التاريخي الذي أُجيز فيه، بمعنى أنه كان يتعلق باستخدام الأسلحة ضمن تنظيمات الميليشيات الرسمية، لمنع نزع سلاحها، وليس لحماية حق الأفراد في الاحتفاظ بالسلاح للدفاع عن النفس. المشكلة، أن المحكمة العليا (الدستورية) قضت في حكم أصدرته في قضية رُفعت إليها في عام 2008، بأن الدستور يحمي حق الفرد في اقتناء السلاح. وكان المحافظون يشكّلون وقتها الأغلبية بين قضاة المحكمة، وأصبح القرار هو القول النهائي الساري، ولا يمكن معالجته إلا بتعديل الدستور وهو أمر مستحيل في ظل التنازع المزمن والانقسام العميق حول الموضوع، إضافة إلى التعقيدات التي تواجه أي تعديل للدستور تاريخياً في أميركا.
فالتعديل يحدث، وفقاً للمادة الخامسة من الدستور، بواحدة من طريقتين؛ إما من قِبل الكونغرس بقرار مشترك يتم تمريره بأغلبية ثلثي الأصوات في مجلسي النواب والشيوخ، أو بناءً على طلب الهيئات التشريعية لثلثي الولايات الأميركية. وفي الحالتين لا تصبح التعديلات قانونية وتعتمد كجزء من الدستور إلا بعد أن تصادق عليها الهيئات التشريعية لثلاثة أرباع مختلف الولايات. وقد عُدّل الدستور 27 مرة منذ اعتماده، وكان آخر تعديل في العام 1992، بينما فشلت مئات المحاولات الأخرى لتمرير تعديلات. وبسبب الانقسام في الكونغرس والولايات وفي المجتمع ككل حول موضوع السلاح، فإن فرص أي تعديل دستوري تصبح ضئيلة للغاية كي لا نقول منعدمة.
الأمر الوحيد الذي قد يكون متاحاً بسبب الضغط الشعبي هو اعتماد قرارات من الكونغرس لحظر بيع بعض أنواع الأسلحة والمعدات مثلما حدث عام 1994 عندما اعتُمد قانون فيدرالي يحظر البنادق الهجومية الآلية أو شبه الآلية، ظل سارياً لعشر سنوات. لكن منذ انتهاء صلاحية الحظر في عام 2004 لم تحدث محاولة أخرى جادة في الكونغرس لتجديده، والسبب أيضاً هو الانقسام العميق سواء في مجلس الشيوخ أو مجلس النواب، على الرغم من أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن 63 في المائة من الأميركيين يؤيدون هذا الحظر.
ربما لهذا السبب نشرت مجلة «أتلانتيك» الأميركية مقالاً هذا الأسبوع يدعو إلى تحرك شعبي للضغط على السياسيين ويحض الطلاب على عدم العودة للمدارس حتى يتحرك الكونغرس في موضوع السلاح. كذلك يدعو المقال الإعلام إلى مواصلة تسليط الضوء على جرائم السلاح حتى يبقى الموضوع في دائرة الضوء ويستمر الضغط على السياسيين.
هناك اقتراحات أخرى مثل تشديد عمليات فحص خلفية كل من يريد شراء سلاح لسد الثغرات الموجودة حالياً، ورفع السن التي يسمح فيها بشراء الأسلحة الهجومية من 18 إلى 21 عاماً، أو منع بيع الدروع الواقية للبدن التي استخدمها عدد ممن نفذوا هجمات على مدارس أو أماكن عامة.
لكن هذه الاقتراحات وغيرها ستبقى تدور في حلقة مفرغة في ظل الانقسامات السياسية والمجتمعية، ونفوذ جماعات الضغط العاملة لصالح دعاة حمل السلاح، والأهم من كل ذلك وجود التعديل الثاني الذي يجعل اقتناء السلاح وحمله حقاً محمياً بالدستور، بينما تتكرر المذابح وجرائم القتل بالرصاص ويتزايد عدد ضحاياها. فالحقيقة، أن أميركا تظل عاجزة عن درء محنتها التي جعلتها واحدة من أسوأ الدول في العالم في جرائم السلاح، ولا أحد يعرف متى أو كيف ستحل هذه المعضلة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أميركا العاجزة عن درء محنتها أميركا العاجزة عن درء محنتها



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon