توقيت القاهرة المحلي 22:20:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

جونسون و«طوق النجاة» الأوكراني!

  مصر اليوم -

جونسون و«طوق النجاة» الأوكراني

بقلم:عثمان ميرغني

في مخاطبته للبرلمان الأوكراني عبر الدائرة التلفزيونية المغلقة، أول من أمس، قال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون عن الحرب الأوكرانية: «إنها صراع ليس فيه أي غموض أخلاقي أو مناطق رمادية»، ولذا حظيت بالدعم والتعاطف من بريطانيا ومن الغرب ومن دول كثيرة حول العالم.

لا خلاف أنه من ناحية أخلاقية ومبدئية لا يمكن تبرير الاجتياح واستخدام القوة العسكرية كوسيلة لحسم الخلافات السياسية أو الحدودية أو التاريخية، بديلاً عن الحوار والطرق الدبلوماسية. وروسيا أخطأت بلا شك في حساباتها لغزو أوكرانيا، وهي تواجه الآن مأزقاً صعباً نتيجة هذا الخطأ.
لكن حديث جونسون عن أنه لا توجد مناطق رمادية في الصراع، قد يكون موضع خلاف. فهناك كثير من النقاش حول ما إذا كان الغرب ذاته أسهم في خلق الظروف التي أدت إلى هذه الحرب باستمراره في توسيع حلف شمال الأطلسي (ناتو) وتمدده نحو تخوم روسيا حتى بعد انتهاء الحرب الباردة، وعلى الرغم من وعود وتطمينات قدمت لموسكو بعد تفكك الاتحاد السوفياتي السابق. وهناك جدل أيضاً حول ما إذا كانت أطراف في الغرب وجدت في الحرب فرصة لتنفيذ استراتيجية تذهب أبعد من مجرد تمكين أوكرانيا من الدفاع عن نفسها وأراضيها، هدفها زعزعة قبضة فلاديمير بوتين وتحجيم روسيا، وهي استراتيجية تنطوي على مخاطر كبيرة، على أوكرانيا وعلى العالم.
إضافة إلى ذلك هناك تساؤلات حول ما إذا كان بعض السياسيين في الغرب يستغلون الحرب اليوم ويوظفونها في خدمة مصالحهم السياسية وحساباتهم الداخلية. بوريس جونسون ذاته تعرض لمثل هذه الانتقادات واتهم بأنه يحاول استخدام حرب أوكرانيا كطوق نجاة للهروب من أزماته الداخلية المتشعبة التي باتت تهدد مستقبله السياسي. فرئيس الوزراء البريطاني يواجه تداعيات التحقيقات التي أجرتها كل من اللجنة المعروفة باسم لجنة سو غراي (على اسم كبيرة موظفي الخدمة المدنية التي تترأسها)، ولجنة الامتيازات في البرلمان البريطاني، إضافة إلى تحقيقات الشرطة بشأن الحفلات التي أقيمت في مقر رئاسة الوزراء في انتهاك لقوانين التباعد الاجتماعي وحظر التجمعات، التي وضعتها الحكومة في ذلك الوقت بسبب جائحة «كورونا». وبعض هذه الحفلات شارك فيها جونسون، ما أدى إلى فرض الشرطة غرامة مالية عليه ليصبح أول رئيس وزراء يدان وهو في منصبه بمخالفة قانونية.
أثار الكشف عن الحفلات غضباً شعبياً وسياسياً وإعلامياً عارماً على رئيس الوزراء الذي اتهم بالنفاق السياسي والاستخفاف بالشعب والقوانين، ما أدى إلى مطالبات بإقالته. وزاد الطين بلة أن الحكومة واجهت قبل ذلك اتهامات بالسماح بوقوع تجاوزات في العقود التي منحت إبان الجائحة لتوفير المستلزمات الطبية والوقائية.
في خضم تلك الضغوط قدمت الحرب الأوكرانية خدمة سياسية كبيرة لجونسون، إذ حرفت الأنظار عن أزمته ولو لبعض الوقت. وكأي سياسي بارع في لعبة الإعلام، فإنه لم يهدر الفرصة وجعل الحرب محوراً مهماً في تحركاته وتصريحاته، بل إن عدداً من أنصاره استخدموها حجة ليقولوا إنه لا يجب التفكير في إقالة رئيس الوزراء بينما هناك حرب دائرة والحكومة مشغولة بها. الانتهازية السياسية واضحة في هذا المنطق الذي يغالط حقائق وسوابق تاريخية مثل إطاحة حزب المحافظين ذاته لمارغريت ثاتشر عام 1990 في خضم أزمة الغزو العراقي للكويت، وبينما كانت بريطانيا تستعد لإرسال قواتها للمشاركة في حرب التحرير.

جونسون بلا شك استفاد من الحرب في مواجهة أزماته الداخلية. حتى توقيت خطابه للبرلمان الأوكراني أول من أمس أثار بعض التساؤلات كونه جاء قبل يومين من الانتخابات المحلية التي تجري اليوم في إنجلترا وويلز وأسكوتلندا، بالتزامن مع انتخابات البرلمان في آيرلندا الشمالية. فهذه الانتخابات تعد في نظر كثيرين بمثابة «استفتاء على شعبية» جونسون، وأي نتائج مخيبة للآمال ستجدد النقاش حول زعامته وقد تعطي زخماً للتحركات لإطاحته من رئاسة الحزب والحكومة.
استطلاعات الرأي لا تعطي جونسون كثيراً من الطمأنينة. ففي كل القضايا التي تقلق الشارع البريطاني مثل أزمة تكلفة المعيشة، والتضخم، ونظام الرعاية الصحية، وإدارة الاقتصاد، يتقدم حزب العمال المعارض على حزب المحافظين. هذا، بالإضافة طبعاً إلى تداعيات فضائح الحفلات ونتائج التحقيقات حولها.
جونسون يقول إن الأمور سوف تتحسن، لكن الشارع البريطاني لا يثق كثيراً بهذه التأكيدات، ولا سيما أن الخبراء الاقتصاديين يتوقعون أن تزداد الأمور سوءاً بسبب استمرار الحرب الأوكرانية - الروسية، وما ترتب عليها من نتائج، على رأسها ارتفاع أسعار الغاز والنفط والمواد الغذائية بأنواعها، وتفاقم مشكلات سلاسل الإمداد المستمرة منذ جائحة «كورونا».
وما يزيد الغضب من جونسون ما يبدو أنه عدم فهم للمعاناة اليومية التي يمر بها أفقر البريطانيين. ففي مقابلة مع محطة «آي تي في» التلفزيونية البريطانية هذا الأسبوع قال جونسون إن الناس «يشعرون بالضيق» بسبب ارتفاع تكلفة المعيشة، ما أثار فوراً حالة من الاستياء العارم، حتى وسط نواب حزب المحافظين الحاكم. واتُهم جونسون بعدم التقدير الكامل لمدى سوء أزمة تكلفة المعيشة بالنسبة لكثير من الناس. فالناس «لا يشعرون بالضيق»، بل يعانون معاناة كبيرة.
وخلال المقابلة سألت المذيعة جونسون عن ردّه على سيدة بريطانية اسمها إليسي، عمرها 77 عاماً، قالت إنها بسبب ارتفاع فاتورة الغاز والكهرباء فإن معاشها التقاعدي لم يعد يكفي، وإنها وجدت أن أرخص وسيلة للتدفئة هي مغادرة المنزل وركوب حافلات المواصلات العامة طوال اليوم باستخدام تصريح الركوب المجاني لكبار السن.
وحكت إليسي لرئيس الوزراء المصاعب اليومية التي تواجهها بسبب أزمة تكلفة المعيشة، قائلة إنها أقدمت على خطوات أخرى جذرية للحد من النفقات؛ مثل تقليص عدد وجبات الطعام إلى وجبة واحدة فقط في اليوم، ولم تعد تتسوق إلا في وقت متأخر من بعد الظهر، عندما تكون بعض السلع في السوبر ماركت مخفضة السعر.
ردّ جونسون أنه لا يريد لهذه السيدة أو غيرها أن يضطروا لمثل تلك الخطوات للحد من آثار أزمة تكلفة المعيشة، لكنه لم يقدم لها أو لكل الشرائح التي تعاني اقتصادياً أي حلول ملموسة.
في نظر كثيرين، شهادة إليسي ليست إلا «قمة جبل الثلج» لمعاناة شرائح كبيرة من البريطانيين، وبالتالي ليس لدى حزب المحافظين أي توقعات جدية بتحقيق نتائج إيجابية في انتخابات المجالس المحلية اليوم. والسؤال الذي يدور في أذهان قادة الحزب هو فقط عن حجم الخسارة ومدى تأثيرها على فرصهم في الانتخابات البرلمانية مستقبلاً.
فإذا كانت الخسائر كبيرة وشملت مجالس محلية مضمونة في إنجلترا مثلاً، فهذا قد يعني انفلات سيطرة جونسون على الحزب، وبداية النهاية لزعامته... ولن تنقذه حرب أوكرانيا من غضبة الناخبين والحزب.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جونسون و«طوق النجاة» الأوكراني جونسون و«طوق النجاة» الأوكراني



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon