توقيت القاهرة المحلي 20:27:14 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هل عاد السودان من حافة الهاوية؟

  مصر اليوم -

هل عاد السودان من حافة الهاوية

بقلم : عثمان ميرغني

إذا كان الوضع في السودان قبل انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي في حالة انسداد شديد جعل الكثيرين يتخوفون من خطر انزلاق البلد إلى مسار العنف والحرب، فإنه الآن أكثر تشرذما وتوترا مع استمرار ارتفاع درجة الاحتقان في الساحة السياسية. فالاتفاق السياسي الموقع بداية هذا الأسبوع بين رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك والفريق عبد الفتاح البرهان الذي أمل البعض أن يؤدي إلى انفراج، واجه معارضة قوية من قطاعات سياسية ومن لجان المقاومة الشعبية التي تقود المظاهرات، ورفع حالة الاستقطاب، وبالتالي ازداد الوضع تعقيدا.

ربما من هذا المنطلق فإن بيانات الترحيب الدولية والإقليمية بالاتفاق السياسي كانت مقرونة بشيء من الحذر وعدته خطوة في طريق إعادة المسار الانتقالي الذي قطعه الانقلاب، ما يعني أن هناك المزيد المطلوب حتى يعتدل المسار ويطمئن الجميع أن السودان يسير في الطريق الصحيح نحو إكمال الطريق والوصول إلى نقطة الانتخابات الديمقراطية. الإدارة الأميركية التي تحركت بقوة ضد الانقلاب، ونسقت التحركات الدولية لإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الخامس والعشرين من أكتوبر، قالت إنها ستراقب الوضع وتنتظر المزيد من الخطوات والتقدم. ولممارسة المزيد من الضغوط لدفع المسار الانتقالي إلى الأمام أعلنت مع شركائها الغربيين لاسيما الاتحاد الأوروبي أن استئناف المساعدات المالية للسودان مرتبط بالإجراءات التي ستتخذ خلال الأيام والأسابيع المقبلة لضمان استكمال الفترة الانتقالية، ووقف العنف ضد المتظاهرين السلميين، والتحقيق في الانتهاكات الجسيمة التي أدت لمقتل 41 منهم منذ الانقلاب لمحاسبة المسؤولين.

لماذا القلق والحذر؟

على الرغم من أن هذه الدول وفي مقدمتها الولايات المتحدة تدعم استمرار صيغة الشراكة بين المكونين العسكري والمدني، فإن هناك مخاوف من أن يكون الاتفاق مجرد حركة للمناورة لتخفيف الضغط الخارجي، وأن المكون العسكري والأطراف المتحالفة معه ربما يعملون على عرقلة المسار الانتقالي لاحقا.

فقبل توقيع الاتفاق السياسي بين الفريق البرهان وحمدوك كان الضغط الأميركي خاصة على أشده وبدأ الكونغرس يتحرك لإضافة تعديل على قانون دعم الانتقال الديمقراطي في السودان يفرض عقوبات منتقاة ضد قيادات عسكرية وقوات الدعم السريع وبعض مؤسساتها. هذا الضغط في رأي الكثيرين كان وراء الإسراع بتوقيع الاتفاق السياسي في الخرطوم الذي أمل المكون العسكري أن يوقف تبني الكونغرس لقراره، لكن الواضح أن موقف واشنطن في أنها ستراقب الأوضاع والتطورات يعني أنها تريد أن تحتفظ بكل أوراق الضغط في يديها.

هناك أيضا مخاوف من أن يؤدي الاحتقان الشديد الحاصل، إلى انفلات الأمور وانفجار الوضع. فالخطورة أنه لأول مرة في تاريخ السودان تدخل الميليشيات في معادلة الانقلابات ويوجد سلاحها في قلب الخرطوم.

وتأكيدا لهذه الحسابات المعقدة والمقلقة حذر مني أركو مناوي رئيس حركة تحرير السودان الذي كان قد عين قبل أشهر حاكما لإقليم دارفور، في مقابلة تلفزيونية قبل يومين من أنه «إذا انفضت شراكتنا فسوف تكون حربا شاملة»، وذلك في إشارة إلى ما تراه الحركات الموقعة على اتفاقية جوبا للسلام على أنه استحقاقاتها في «شراكة وقسمة السلطة»، علما بأن هذه الحركات أو جلها دعمت انقلاب 25 أكتوبر، وشاركت فيه وفي دعمه، كما شاركت أيضا في التحركات التي أفضت إلى الاتفاق الموقع بين حمدوك والفريق البرهان.

سلاح هذه الحركات والدعم السريع يشكل تحديا كبيرا كبيرا في الفترة المقبلة، وسيعتمد الكثير في هذا الملف على الطريقة التي ستدار بها بقية الفترة الانتقالية، وما إذا كان سيحدث التفاف ولو متأخرا حول خطوة حمدوك، أم تستمر المظاهرات والمواجهات الدموية لإسقاط المكون العسكري.

كثير من الأطراف في الداخل والخارج ترى أنه من الصعب إقصاء المكون العسكري بالنظر الى كل التعقيدات الماثلة، لأن ذلك يعني سكب كثير من الدماء؛ لذلك دعت إلى استمرار الشراكة بين المكونين المدني والعسكري على أساس الوثيقة الدستورية على أمل الوصول بها إلى نهاية الفترة الانتقالية وإجراء الانتخابات الديمقراطية.

والرأي الغالب أنه في ظل الوضع القائم ووجود الميليشيات كرقم جديد في المعادلة السياسية ودورها في الانقلاب الأخير، فإن المظاهرات وحدها لن تسقط النظام إلا إذا انحاز لها الجيش، وحتى في هذه هناك مخاطرة من انقسامات بين العسكريين ووقوع مواجهات دامية بين الجيش والميليشيات.

هناك شرخ في كل الأحوال في الوقت الراهن بين الجيش وقوى الثورة بسبب الهجوم الذي شنه البعض على الجيش، وبغض النظر عن أي حسابات آنية فإن رأب هذا الشرخ ضروري ومهم من أجل مستقبل السودان الجالس في محيط مضطرب ومحاط بكثير من المصالح المتضاربة. هذه المعالجة ستفتح الباب لطرق قضايا إعادة هيكلة القوات المسلحة، وتوحيد البندقية بحيث لا يبقى هناك سلاح إلا في يد القوات النظامية، بعد استيعاب من يتم استيعابه من الحركات المسلحة، ويسرح الباقون.

حساسية الوضع الراهن ربما تفسر الانقسامات في الرأي إزاء توقيع حمدوك للاتفاق السياسي في وقت كان الشارع مستمرا في المظاهرات ضد الانقلاب. فحتى من بين المؤيدين للثورة ارتفعت كثير من الأصوات التي ترى أن حمدوك تصرف بحكمة لوقف نزف دماء، وحتى لا يفقد السودان كل ما تحقق خلال العامين الماضيين على صعيد الانفتاح الدولي وما نجم عنه من المساعدات الاقتصادية وإعفاء الديون، والأهم من ذلك لدرء مخاوف انزلاق السودان نحو عنف قد يجر إلى حرب لا يريدها عاقل. بالطبع مقابل هؤلاء هناك انتقادات واسعة أيضا وقوية للاتفاق السياسي ولحمدوك على أساس أنه عوق الثورة، وإسقاط المكون العسكري وحلفائه من الميليشيات ومن الحركة الإسلامية وفلول نظام البشير الذين يعملون للعودة من بوابة شعار توسيع قاعدة المشاركة السياسية في المرحلة الانتقالية.

الحقيقة أن هناك قوى سياسية من مكونات «الحرية والتغيير» شاركت في الوساطات والمفاوضات التي قادت إلى الاتفاق السياسي. حمدوك تحدث عن ذلك من دون أن يفصح عن أسماء لكن مني أركو مناوى، كشف عن بعض هذه الأسماء، وهناك أمور أخرى سوف تتكشف لاحقا، لكي توضح أن رئيس الوزراء لم يكن وحده وراء الاتفاق وإن كان في الواجهة.

بدلا من تركيز كل السهام نحو حمدوك، فإن الجدير بقوى الحرية والتغيير أن تلم صفوفها وتلتئم لمناقشة كيفية معالجة أخطر وضع يمر به السودان. فليس سرا أن الخلافات في صفوف المكون المدني مهدت للانقلاب الذي حدث، واستمرار هذه الخلافات سيدفع البلد نحو مستقبل مجهول محفوف بالمخاطر. وبغض النظر عن الاختلاف أو الاتفاق مع «الاتفاق السياسي» فإن الحل ليس في المزايدات، بل في التوافق على خريطة طريق تصل بالبلد إلى محطة الديمقراطية وتمنع الانزلاق إلى هوة العنف... أو حتى الاحتراب. فالبلد ما يزال على حافة هاوية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل عاد السودان من حافة الهاوية هل عاد السودان من حافة الهاوية



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:05 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 18 نوفمبر /تشرين الثاني 2024

GMT 10:55 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

دوناروما يؤكد ان غياب مبابي مؤثر وفرنسا تملك بدائل قوية

GMT 09:55 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 08:31 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:27 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

GMT 04:33 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونسكو تعزز مستوى حماية 34 موقعًا تراثيًا في لبنان

GMT 13:08 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نيمار يشتري بنتهاوس بـ 200 مليون درهم في دبي

GMT 07:25 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزالان بقوة 4.7 و4.9 درجة يضربان تركيا اليوم

GMT 03:12 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

ليليا الأطرش تنفي تعليقاتها عن لقاء المنتخب السوري

GMT 18:33 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ميا خليفة تحضر إلى لبنان في زيارة خاصة

GMT 14:47 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

الحضري على رأس قائمة النجوم لمواجهة الزمالك

GMT 11:13 2018 الأربعاء ,11 إبريل / نيسان

ما وراء كواليس عرض "دولتشي آند غابانا" في نيويورك
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon