توقيت القاهرة المحلي 05:39:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الحرب الموازية في السودان

  مصر اليوم -

الحرب الموازية في السودان

بقلم: عثمان ميرغني

في عصرنا هذا، ومع القفزات الصناعية والتكنولوجية، والثورات الرقمية، وفي مجال الاتصالات، تطورت الحروب، ومفاهيمها، ومصطلحاتها، إلى أنواع. صرنا نسمع عن حروب رأسية، وحروب أفقية، وعن حرب سيبرانية، وحرب هجينة، وحرب بالوكالة، وحرب موازية، إلى غيرها من المصطلحات والتوصيفات.

في حرب السودان، كما في غيرها، تتداخل كثير من هذه المصطلحات والمفاهيم لتضيف إلى تعقيدات المشهد وصعوبته. ومع بروز وسائل التواصل الاجتماعي كأداة قوية في تشكيل السرديات والديناميكيات، فإنها باتت سلاحاً قوياً في الحرب النفسية والإعلامية الدائرة بشراسة للتأثير في مسارات الحرب. لم تعد وسائط التواصل هذه مجرد منصات لنقل الأخبار والمعلومات ومقاطع الفيديو وتبادل التحليلات فحسب، بل إنها وفي إطار الدور المزدوج الذي اكتسبته أصبحت قنوات للتضليل والدعاية والتحريض، ونشر معلومات كاذبة وفيديوهات مفبركة، للتلاعب بالرأي العام والتأثير في المعنويات.

منذ اندلاع الحرب كان هناك العديد من المحطات في سياق هذه الحرب أثارت ما أثارت من ضجيج، بما انعكس سلباً أو إيجاباً على معنويات الناس. خلال هذا الأسبوع وحده، كانت هناك واقعتان تصلحان للتدليل على مدى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في الحرب النفسية، وفي محاولات التشويش للتأثير على الرأي العام. فمع الهجوم الواسع الذي شنه الجيش السوداني على مواقع «قوات الدعم السريع» في الخرطوم وبحري، الذي وُصِف بأنه الأكبر منذ اندلاع الحرب، ضجت مواقع التواصل بالأخبار عن انتصارات كبيرة لصالح الجيش. ولم تمر ساعات قليلة حتى خرجت أعداد مقدَّرة من السودانيين في أحياء من العاصمة، وفي مدينتي شندي وعطبرة، وفي حي فيصل في القاهرة، لتحتفل بشكل عفوي تعبيراً عن فرحتها.

مع أجواء الاستقطاب الشديد في ظل هذه الحرب وتشعباتها، فإن هذه الاحتفالات لم تمر مرور الكرام، وواجهتها حملة قوية للتشكيك من قبل خصوم الجيش، بل ولانتقاد السودانيين الذين خرجوا في المظاهرات الاحتفالية، وكأنه لم يعد من حق الناس أن يحتفلوا إذا رأوا أو سمعوا انتصاراً للجيش، أو أنهم يجب أن يغتمُّوا إذا تعرضت «قوات الدعم السريع» لأي هزيمة. ومن غير سند أو دليل قالوا إن هذه المظاهرات نظَّمها أنصار السابق، رافضين بذلك أن يتقبلوا أن الناس خرجوا بشكل عفوي، لأنهم عانوا ما عانوا بسبب هذه الحرب، ويتوق كثير منهم للعودة إلى ديارهم التي هُجّروا منها، ويرون أن دخول القوات المسلحة إلى مناطقهم وخروج «قوات الدعم السريع» منها يفتح لهم نافذة لهذه العودة.

وعلى الرغم من مقاطع الفيديو الكثيرة التي توثق لانتشار الجيش في مناطق وأحياء في الخرطوم وبحري ظلت في قبضة «الدعم السريع» منذ بداية الحرب، كان هناك مَن سعى للتشكيك والتشويش؛ إما لنفي حدوث أي تقدُّم للجيش، أو للتقليل من شأنه. هكذا انطلقت أصوات عن أن الآليات العسكرية للجيش التي حاولت عبور بعض الجسور الرئيسية التي تربط العاصمة، لم تتمكن من تحقيق أهدافها، ودُحرت أمام «قوات الدعم السريع»، وأن ما قام به الجيش لا يمتّ للعسكرية بصلة، ونتجت عنه مجازر لمنسوبيه.

من جانب آخر، وفي الوقت ذاته جرى الترويج في مواقع التواصل الاجتماعي لمقطعَيْ فيديو ذُكر أنهما لقتل مدنيين وإعدامات خارج إطار القانون نُفِّذت خلال عمليات الجيش الأخيرة في العاصمة، وتحديداً بمنطقة الحلفايا في بحري. بعض البيانات قدمت أرقاماً عن عدد للضحايا، بينما ذهبت أخرى إلى القول إنها طاولت العشرات، من دون تحديد رقم. بعضها تحدث عن أن القتلى من المدنيين الذين كانوا يقدمون الطعام للمحتاجين، وأُعدموا لأنهم صُنفوا سياسياً، أو اتهموا بالانحياز «لأحد طرفي الحرب»، والمقصود بالطبع «الدعم السريع»، في حين قالت بيانات أخرى إن الإعدامات تمت على أسس عرقية وجهوية.

المؤكد أن أحد المقطعين ليس جديداً، وسبق ترويجه قبل أكثر من شهرين. أما الثاني فلم يكن فيه ما يثبت أن القتلى مدنيون وليسوا من منتسبي «قوات الدعم السريع». على الرغم من ذلك، صدرت بيانات متتالية للتشكيك في الجيش وتحميله مسؤولية هذه الانتهاكات، بل ودمغه بأنه «جيش دواعش»، على أساس أنه يضم كتائب مستنفرين، من بينها «كتيبة البراء» المحسوبة على الإسلاميين.

الانتهاكات من أي نوع تبقى مدانة، لكن هذا لا يلغي حقيقة أن المتمعِّن في هذه الحملة التي اشتدت مع التقدم الذي أحرزه الجيش في عدد من المحاور في العاصمة، وفي مواقع أخرى، يلمس فيها احتدام الحرب الموازية الدائرة في السودان، ومسرحها الأهم هو منصات وسائل التواصل الاجتماعي. ومع التوقعات بأن الأسابيع المقبلة ستشهد معارك واسعة، وربما تكون فارقة في نتيجة الحرب، فإن وسائل التواصل ستكون من بين ساحاتها المهمة... إعلامياً ونفسياً.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحرب الموازية في السودان الحرب الموازية في السودان



GMT 04:43 2025 الأحد ,02 شباط / فبراير

4 ساعات مللاً

GMT 04:37 2025 الأحد ,02 شباط / فبراير

ترامب والأردن... واللاءات المفيدة!

GMT 04:31 2025 الأحد ,02 شباط / فبراير

رسائل محمد الطويّان المفتوحة والمغلقة

GMT 04:28 2025 الأحد ,02 شباط / فبراير

الشرق الأوسط... تشكلٌ جديدٌ

GMT 04:25 2025 الأحد ,02 شباط / فبراير

سنتان أميركيتان مفصليتان في تاريخ العالم

GMT 04:20 2025 الأحد ,02 شباط / فبراير

متى يراجع الفلسطينيون ما حدث؟

GMT 04:17 2025 الأحد ,02 شباط / فبراير

لا بديل عن قيام دولة فلسطينية

GMT 00:08 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

فينيسيوس يدخل نادي الـ100 ومبابي يعادل هنري

GMT 03:02 2024 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

الاتفاق يفوز ببطولة الوحدة الدولية الودية في الإمارات

GMT 15:35 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

فيفي عبده تثير الجدل والسخرية علي السوشيال ميديا

GMT 09:32 2021 الأحد ,29 آب / أغسطس

أمينة خليل تتعاقد على مسلسل لرمضان 2022

GMT 03:32 2021 السبت ,21 آب / أغسطس

رنا سماحة تكشف حملها في طفلها الأول

GMT 11:07 2021 الخميس ,24 حزيران / يونيو

إحباط محاولة لتهريب 57 آيفون في مطار القاهرة

GMT 21:22 2021 الإثنين ,21 حزيران / يونيو

سمية الخشاب تخطف أنظار جمهورها بـ إطلالة جديدة

GMT 17:39 2021 الخميس ,01 إبريل / نيسان

طقس الخميس معتدل نهارًا وبارد ليلًا في أسوان

GMT 05:33 2021 السبت ,09 كانون الثاني / يناير

دراسة علمية تكشف اختلافات جينية بين التوائم المتطابقين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon